فى عالم تختلف فيه الخرائط الاقتصادية دوماً وتتغير فيه موازين قوى الطلب والعرض، شهد العالم مع بداية 2021 ارتفاعاً هائلاً فى أسعار السلع الأساسية بما يسمى «الدورة الفائقة»، ويعبر هذا المصطلح عن اتجاه الأسعار نحو الصعود المستمر لفترة طويلة تصل لعدة أعوام، نتيجة وجود فجوة بين الطلب غير المتوقع ومحدودية العرض. وسجل العالم 4 دورات فائقة للسلع الأساسية سابقاً، تزامنت الأولى مع ظهور الولاياتالمتحدة كقوة اقتصادية فى ثمانينات القرن ال19، وأخرى رافقت إعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية، والدورة الفائقة الثالثة من خلال صدمات أسعار النفط فى السبعينات، كما حدثت الدورة الرابعة فى أوائل العقد الأول من القرن الحالى فى الصين أثناء التصنيع السريع وتنمية البنية التحتية لها. ويعانى العالم حالياً من ظهور دورة فائقة جديدة للمواد الخام والطاقة منذ الانهيار المؤقت لأسواق المال فى بداية جائحة كورونا فى مارس 2020، مدفوعة بالسياسات النقدية الميسرة، والتضخم الهائل المتعايش معها، مما دفع العديد من بنوك الاستثمار فى وول ستريت إلى الإعلان أن العالم فى بداية دورة لارتفاع السلع الأساسية تمتد لعدة سنوات. كما أدى انتعاش الطلب على النفط مرة أخرى إلى أكثر من 100 مليون برميل يومياً إلى ارتفاع الأسعار بشكل تصاعدى، بالرغم من اتجاه العديد من الشركات إلى الطاقة المتجددة، وارتفعت أسعار النفط بأكثر من 230% منذ انهيارها التاريخى فى مارس وأبريل 2020. وشهدت معظم أسعار السلع الأساسية عالمياً قفزات كبيرة ومن بينها المواد الخام اللازمة للصناعات بما فى ذلك الحديد والنحاس اللذان ارتفعا بأكثر من 80% خلال العام الماضى، وقفزت أسعار الغذاء لأعلى مستوياتها منذ يناير 2020، مدفوعة بارتفاع عدد من السلع الأساسية منها القمح والذرة. هل تصل الدورة الفائقة إلى مصر؟! توضح معدلات التضخم الشهرية احتمالية ظهور الدورة الفائقة العالمية فى مصر، حيث سُجلت اضطرابات منذ نهاية 2020 وحتى الآن، كما يشهد التضخم ارتفاعاً وهبوطاً بمعدلات أحادية، ويزيد اعتماد الشركات على استيراد العديد من السلع والمواد الخام أكثر من التصدير من خطورة استيراد مصر للتضخم العالمى. محللو بنوك الاستثمار: ضعف الطلب المحلي يخفض من تأثر مصر بارتفاع الأسعار عالمياً وعلى الرغم من ذلك، هناك دلالات تخفف من القفزات السعرية الضخمة فى مصر، منها ضعف الطلب المحلى بسبب جائحة كورونا، وقرار الحكومة المؤقت بوقف تراخيص البناء العام الماضى، مما أدى إلى تخفيض الشركات من طاقتها الإنتاجية بنسبة 50%، وتراكم المخزون وتباطؤ عمليات شراء المواد الخام. وشهدت أسعار الحديد فى السوق المصرية عدة قفزات منذ نوفمبر حتى مايو الجارى بزيادة 5 آلاف جنيه للطن، بينما ارتفعت خلال مايو الحالى بنحو 950 جنيهاً للطن، وتأثر معظمها بتحركات الأسعار بالزيادة الحادة التى حدثت عالمياً بين شهرى نوفمبر وديسمبر 2020، ثم استقرت فى يناير بعد أن فرضت الصين قيوداً مؤقتة على معدلات إنتاجها من الصلب فى بداية 2021، وفى فبراير استأنفت الصين صناعة الصلب لديها بكامل طاقتها العملاقة، ولذلك قفز الطلب على خام الحديد من جديد، مما يرشح الأسعار لزيادات جديدة فى المرحلة المقبلة. المعادن والنفط والقمح والذرة أبرز السلع الصاعدة منذ مطلع 2021 ويرى محمد أبوباشا، رئيس وحدة بحوث الاقتصاد الكلى لدى المجموعة المالية هيرميس، أنه من المتوقع ارتفاع أسعار السلع الأساسية من المعادن والحديد والبترول والنحاس، تأثراً بتضخم العالم الخارجى، وبالرغم من الارتفاع فإن ضعف الطلب والاستهلاك، خاصة فى الدول الناشئة، يساعد على حدوث زيادات على فترات متباعدة. وأكد أنه مع انخفاض مخزون الشركات من السلع والمواد الخام تتجه الشركات إلى الاستيراد من الخارج، مما يؤدى إلى تغير الأسعار مع المخزون الجديد ووضع أسعار أعلى على المستهلكين. وأوضح أن معدلات التضخم سجلت فى أوائل السنة الماضية أقل معدل تضخم منذ 15 عاماً، وإذا شهدت المعدلات زيادة لن تكون بالقدر الكافى الذى يؤثر على الاقتصاد المصرى. وفى سياق متصل، أوضحت أمنية الحمامى، محللة القطاع الاستهلاكى ببنك استثمار نعيم، أن أسعار السلع الأساسية بدأت فى الزيادة بنهاية 2020 بسبب التعافى الاقتصادى مما أدى إلى حدوث فجوة بين الطلب والعرض، بالإضافة إلى المشكلات اللوجيستية الخاصة بالنقل التى ساعدت على زيادة الأسعار. وأضافت أن ظهور الدورة الفائقة يعتمد على استيراد الشركات للسلع والمواد الخام أو اعتمادها على إنتاجها محلياً، كما صعدت أسعار السكر العالمية منذ يناير الماضى لأعلى مستوى لها منذ أبريل 2020، وكانت الحكومة قررت فى مارس 2020 لأول مرة حظر استيراد السكر الأبيض لتصريف المخزون منه وما زال الحظر مستمراً حتى الآن، وساهم هذا القرار فى عدم تأثر السوق المحلية بالسعر العالمى، مشيرة إلى وجود مخزون من السكر يكفى الأسواق خلال الفترة المقبلة. كما أوضحت ريهان حمزة، محلل قطاع الصناعة بشركة العربى الأفريقى لتداول الأوراق المالية، أن أسعار الحديد بدأت فى الزيادة بنسبة ضخمة متأثرة بالأسعار العالمية بسبب استيراد المواد الخام، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار كل من الألومنيوم والنحاس، وهذا مؤشر كاف لبداية ظهور الدورة الفائقة فى مصر. وأشارت إلى أن الشركات المستفيدة من ارتفاع الأسعار عالمياً منها شركة مصر للألومنيوم باعتبارها الشركة الوحيدة للألومنيوم بمصر، وتوفر 50% من احتياجات السوق المصرية، مما يساعدها على الاستفادة من ارتفاع الأسعار العالمية من خلال زيادة الأسعار على المستهلكين. وأكدت أن شركة السويدى للكابلات من أهم الشركات المدرجة فى البورصة المصرية، وهى تتأثر إيجابياً من ارتفاع الأسعار العالمية لأنها تستخدم 75% من النحاس و25% من الألومنيوم فى صناعة الكابلات، بالإضافة إلى ميزة استخدام استراتيجية التسعير على أساس التكلفة المضافة (cost plus pricing) وهى تحديد سعر المنتج من خلال إضافة هامش الربحية إلى التكلفة بما يعكس تعظيم الأرباح بنسب غير متفاوتة. كما توقعت استفادة العديد من الشركات من الزيادات العالمية بالتوقف على حجمها وقدرتها على امتصاص الضغوط التضخمية، وفى المقابل لا تستطيع الشركات المنافسة الصغيرة التعايش مع ارتفاع الأسعار المستمر، وهذا يبرز وجود الشركات الضخمة فى السوق المحلية بالرغم من انخفاض الطلب على المنتجات.