«تعالى يا حاجة، أنا هوصلك بالتوك توك لحد البيت».. يهتف بها الحاج جابر بلم، لسيدة منهكة تحمل حقيبة بلاستيكية بها الكثير من الأدوية، تسأله: «هاتاخد كام؟» فيرد بابتسامة: «ولا أى حاجة، ادعى لنا بس يا حاجة». تدلف السيدة إلى التوك توك الصغير سريعاً بعدما أنهكها البحث عن وسيلة مواصلات، تسأل الرجل: «انت ليه بتعمل كده؟»، فيرد: «الناس تعبانة، كفاية عليهم تكاليف المرض والكشف عند الدكاترة، خلى الانتقالات علىّ أنا». فى قريته «ميت فضالة» مركز أجا فى المنصورة، يعرفه الجميع، 10 شهور يقوم خلالها بمهنته الجديدة، التى يعلن عنها ببساطة على خلفية التوك توك الخاص به، معلناً أنه: «عمل خيرى لنقل المرضى إلى الدكتور أو المستشفى.. خدمة 24 ساعة إن شاء الله».. أحياناً يخرج الرجل عن الفئات المذكورة، فيقوم بنقل العجائز ممن لا يقدرون على العثور على وسيلة مواصلات. فى الصباح الباكر تستيقظ زوجته الحاجة فوزية، توقظه ليتناول الإفطار بينما هى تنظف له التوك توك لتبدأ الرحلة: «بدعى له وأشجعه وأقول له: ثواب كبير هيقعد لعيالنا، روح واسعى ربنا معاك». فى بيتهما الخاص يؤجر الرجل شقتين لطبيبين، لذا يبدأ اليوم بالانتظار أمام باب البيت، حتى ينتهى المرضى من الكشف فيقوم بتوصيل غير القادر: «ساعات بطلع على الطريق أو ألف فى البلد أدوّر على حد محتاج توصيلة». من بين كل المرضى ينتقى الرجل ذو ال75 عاماً توصيلة أو اثنتين لأناس قادرين يدفعون ما يقدرون عليه: «الفلوس دى بقى بموّن بيها التوك توك، وأصرف بيها عليه، مش عاوز منه غير إنه يجيب مصاريفه وخلاص». لفترة طويلة تمنى الحاج جابر أن يرزقه الله ب«توك توك» يهبه لخدمة المرضى والمحتاجين: «طلبت الطلب وحصل، أنا عندى اللى يكفينى ومش طالب غير الصحة والستر». مهن عديدة امتهنها الرجل على مدار حياته: «كنت بشتغل منجد، بس الشغلة انتهت مع الوقت، سافرت ليبيا 5 سنين، واشتغلت فى شركة، ربنا كرمنى آخر كرم، ورجعت مصر كملت واشتريت عربية واشتغلت عليها، وجوّزت ولادى السبعة، 4 ولاد و3 بنات، وكان حلمى أشترى توك توك أخدم بيه الناس لوجه الله». لا يشعر الرجل بإرهاق من نشاطه اليومى الذى يتلقى على إثره اتصالات فى كل وقت، حتى منتصف الليل فى انتقالات عاجلة: «ميزة التوك توك إنه صغير ويدخل فى أى مكان، أحسن عندى من العربية، فى مرة اتصلت بيا واحدة ست من إمبابة وقالت لى: الحقنى، قولت لها: يا حاجة ده انا من المنصورة، المشوار بعيد علىّ أوى والله، اعذرينى».