صديق لى لاحظ اضطرابى المستمر وتذمرى الملح واستيائى المزعج وغضبى الشديد لما يدور حولى ويصيبنى كما يصيب غيرى من أحوال.. ربما مصائب لا يتحملها العقل السليم أو يقوى على مواجهتها طويلاً.. صديقى تعجب لهذا الشعور الذى ينتابنى بالرغم من قضائى لإجازة صيفية طويلة.. ولم يقتنع بوجهة نظرى عندما أخبرته بأن انزعاجى قد اكتمل بهذه الإجازة الصيفية التى أوضحت المزيد من تفسخ المجتمع وأظهرت مشاهد وحقائق مؤلمة ربما تسمح الأوقات الهادئة والعقول الصافية بكشفها وفهمها أكثر على حقيقتها خلال هذه الأوقات. لم يقتنع صديقى بأن إجازتى الصيفية لم تتمكن من فصلى عن واقع الأحداث والمصائب التى تجرى فى وطنى أو ما يحيط به.. لم يقتنع بأننى أصبحت «كومة» مغلقة.. مثقلة بالمواجع التى يتعرض لها البشر وتفوق قوة احتمالهم!!!! لذا قرر صديقى أننى بحاجة إلى القيام بزيارة إلى الطبيب النفسى ربما يستطيع مساعدتى على التخلص من هذه الأثقال.. لا سيما أنها لن تنتهى فى القريب العاجل!!.. ولكنه قبل أن يرسل لى اسم الطبيب المقترح.. وبروح تنطق بالدعابة والسخرية أرسل لى لائحة للأسباب التى كانت تستدعى دخول النساء إلى المصحة العقلية فى المنتصف الأخير من القرن الثامن عشر!!! مشيراً بأدب جم إلى أنه بالرغم من إصابة النساء باضطرابات عقلية أدت بهم للدخول إلى المصحات العقلية، فإن التقرير الذى يضم اللائحة ونشرته جريدة «الديلى ميل» بتاريخ 5 /9/ 2013 حيث حصلت عليه من إحدى المصحات العقلية يفضح بجانب هذه الأسباب دور المجتمع وموقفه وتأثيره الذى أدى فى النهاية إلى هذا الوضع العقلى الذى أصاب النساء فى ذلك الوقت.. توقفت عند هذا الكلام وأنا أستلم منه التقرير.. ولكننى قلت له: «ماذا سأفعل بعوارض وأسباب عفى عنها الزمن!!!! فنحن فى زمن غير الزمان.. وفى بيئة ومناخ يختلفان كثيراً عما كان يحدث فى القرن الثامن عشر!!! وبالتالى فإن ما يوجعنى الآن يختلف تماماً عما كان يصيب النساء فى ذلك الوقت ويدفعهم للدخول إلى السرايا الصفرا!! إضافة إلى أننا نعيش الآن فى القرن الواحد والعشرين وحدث تطور ثقافى وحضارى وعلمى وحقوٍقى من المفترض أن يساعد على أن تكون الظروف أكثر اختلافاً!!! صحيح الجهاز العصبى للناس واحد لم يتغير، لكن المؤثرات المسببة لاتزانه أو اهتزازه لا بد أن تكون اختلفت من زمن إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى!!! نظر لى الصديق وابتسم ابتسامة صفراء فى غير محلها ربما تأثراً باللون الأصفر!! لكنها فتحت أمامى أبواب السرايا التى علقت بها هذه اللائحة منذ ما يقرب من 135 عاماً!!!.. فبدأت أقرأ: أسباب تعدت المائة، لم يزعجنى عددها، بل أصابنى فحواها، وأذهلتنى أعراضها، كم كانت قريبة وملتصقة بهذا الزمن الذى نعيش فيه وكأن شيئاً لم يحدث.. وكأن شيئاً لم يتغير، وكأن الساعة لم تتبدل.. بل وكأن البيئة لم تختلف والنساء كأنهن نساؤنا.. والمجتمع هو مجتمعنا!!!! ما تغير هو عمر السنوات!! وهذه هى الكارثة!!! وما لم يتغير هو هذه الأسباب المؤدية للجنون العقلى، بل وأُضيفت لها أسباب أخرى تتحدث بلغة عصر قاسٍ وهذه هى أيضاً الكارثة!!! فهيا دعونى أستعرض معكم بعضاً من هذه الأسباب والتى للأسف ستجدون أن معظمها إن لم يكن كلها قد أصاب أو بأقل تقدير لمس كثيراً منا، فدفعه إما للجنون فأصبح نزيلاً فى إحدى سرايانا!!! أو طليقاً بيننا غير مدرك لعوارضه، أو ربما عوارضنا أيضاً!!! تسرد اللائحة الأسباب كالآتى: العصبية الشديدة نتيجة لاضطراب العمل والدخل.. الفقر.. الكسل المزمن.. الدجل والخرافة.. ويلات الحرب والكوارث الإنسانية.. التوهج السياسى.. الصحبة السيئة.. التعمق والقراءة المفرطة فى الدين.. عدم المساواة بين الرجل والمرأة.. قتل الأبناء.. الكبت الجنسى، الحياة المنحرفة وأنواع الانتهاك الجنسى المختلفة.. المعاملات السيئة بين الأزواج.. الحماس العقلى للأحداث.. المؤثرات الحسية المنحرفة.. الإحباط وانعدام الثقة.. الحماس الدينى.. الإخفاق فى تنفيذ العقوبة والقانون.. اكتئاب الأزواج وبصفة خاصة الرجال.. عدم مبالاة الأصدقاء.. الانهيار الأخلاقى.. ضرب النساء وكبت الطموحات والشعور بعدم الأمان والاستقرار!!!! هذه كانت مختارات من بعض الأسباب التى ذكرتها لائحة المصحة.. لم أرغب فى سردها كلها.. اكتفيت بعرض القليل مما نتعرض له جميعاً!!! ولكنى أشعر بالخجل، لأننى مواطنة أعيش فى القرن الواحد والعشرين، مثقلة ليس فقط بأمراض عصرى ولكن بأمراض ومسببات متخلفة لعصر وزمن مضى.. عفى عنه الدهر.. لكن أكتافى تحمله حتى الآن!!!!