قرية «عمروس» إحدى قرى مركز الشهداء التابع لمحافظة «المنوفية»، ويصح أن نُطلق عليها وصف «قرية نموذجية» لسببين، أولهما: أن نسبة الأمية فيها (صفر)، كما أكدت عدة تقارير، فكل أهلها متعلمون أو منخرطون فى سلك التعليم، وثانيهما: أنها ترفع شعار «يا مستنى السمنة من بطن الحكومة.. عمرك ما حتقلّى»، فاتجه أهلها إلى حل مشكلاتهم عبر الجهود الذاتية، سواء فيما يتعلق بإنشاء المدارس أو المساجد أو المستشفيات وخلافه، حدث ذات مرة أن توفيت طفلة بالقرية تحت عجلات قطار بسبب عدم وجود محطة ترسو عليها القطارات، فبادر الأهالى إلى الاعتماد على أنفسهم وأنشأوا محطة من جيوبهم. والحديث عن القطارات يضعنا بسرعة داخل دائرة المشكلة التى حكاها لى بعض أهالى القرية وأريد أن أتناولها فى هذه السطور. منذ عام 2011 توقف العمل بمحطة الأوتوبيس الوحيدة التى تقل أهل «عمروس» من وإلى القاهرة، وهى محطة أنشأها الأهالى بجهودهم الذاتية، السبب الذى قدّمه المسئولون بمحافظة المنوفية للأهالى لتفسير الأمر هو عدم صلاحية الطريق من «تلا» إلى «عمروس» لسير الأوتوبيسات. فقبل عام 2011 قامت الحكومة بحفر الأرض لنشر مواسير إدخال مياه، وبعد أن حفرت لم تسوِ الطريق أو تمهده وتركت الأرض نهباً للمطبات الطبيعية وتلال التراب هنا وهناك، فى مشهد يذكّرنا بأجدادنا الذين لم يهتموا بعد أن انتهوا من حفر قناة السويس (عام 1869) بعدم التخلص من التراب الناتج عن الحفر، وظل فى مكانه حتى استخدمته إسرائيل بعد ذلك فى تشييد خط بارليف الذى حطّمه الجيش المصرى الباسل عام 1973، كما يقرر البعض! يبدو أن محافظ المنوفية يفعل مثلما فعل أجداده عام 1869، ولا يؤدى بطريقة الأجداد عام 1973، فيزيل التراب وآثار الحفر الذى يحول بين أهالى «عمروس» وامتطاء صهوة الأوتوبيسات للسفر من وإلى القاهرة. قد يقول المحافظ إن هذه المشكلة وُلدت فى عهد محافظين سابقين لى، وهو كلام أعجز ما يكون عن إقناع أحد، لأن المحافظ يرث بالضرورة مشكلات من سبقوه، مثلما يرث منصبهم! ليس من المنطق أن يُهمل المحافظ مثل هذه المشكلة التى تؤرّق ما يقرب من 150 ألف مواطن كانوا يستخدمون الأوتوبيسات على هذا الخط، ليتركهم فريسة «الشحططة» فى عربات «البيجو» والميكروباص وغيرها من وسائل لم تفلح فى تقديم خدمة النقل لأهالى «عمروس» إلا بشكل جزئى. يحكى لى أحد أهالى «عمروس» أن المحافظ سُئل فى أحد البرامج التليفزيونية عن مشكلة توقف محطة الأوتوبيس الوحيدة التى تخدم القرية، فرد على مذيع البرنامج بكلام عن مشكلة الصرف الصحى وأن المسئولين أدرجوا القرية فى الخطة الجديدة وأن المشكلة ستُحل قريباً! تعجب المذيع واستوقفه قائلاً: إننى أُحدّثك عن مشكلة محطة الأوتوبيس المتوقفة عن العمل! واجب المحافظ أن يركز فى مشكلات محافظته. لقد ذكرنى هذا الموقف بحالة بعض الطلاب الجامعيين الذين يتضجّرون عندما يتم إلزامهم بحضور المحاضرات وأداء بعض التكليفات المطلوبة منهم، ويرددون «يا ريتنا كنا طلبة انتساب»، لأن الطالب المنتسب غير ملزم بالحضور أو بأعمال سنة، إنه يحضر الامتحان فقط. ويبدو أن لدينا مسئولين «انتساب». ونصيحة لصانع القرار فى مصر ونحن بصدد حركة جديدة للمحافظين: تخلص من «المنتسبين»!