كنت شاردة أفكر فى حال مصر وحال شعبها الذى ناضل وكافح وثار من أجلها وقدم لها شهداء ومصابين ولم يبخل عليها بدمائه، ثم تخيلت الدكتور محمد البرادعى فى حضرة سعد باشا زغلول يشكو إليه حاله وحال مصر وما وصلت إليه بعد ثورة يناير التى سُرقت بأيادى أناس لم يثوروا يوماً من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بل كان كل نضالهم صراعاً على السلطة فقط، وجعلوا من ثورة الربيع العربى خريفاً.. وبعد مرور أكثر من عام ونصف أصبح الشعب المصرى على وشك االندم على تلك الثورة، حيث ازداد الوضع سوءاً ولا تزال البلاد تشهد أزمات متلاحقة.. وهنا سأله سعد: ولم تركتَ الأمور تصل إلى هذا الحد؟ ألم تكن أنت الأب الروحى والملهم لهذه الثورة؟!! - البرادعى: حاولت وبذلت قصارى جهدى ولكننى تعرضت إلى حملات تشويه شرسة نالت منى ومن سمعتى جعلتنى أفقد مصداقيتى لدى الشعب، فتارة يقال إننى عميل لأمريكا وللصهيونية، وتارة جلاد للعراق، حتى حياتى الشخصية لم تسلم من أقاويلهم، ووصل الأمر مؤخراً إلى أننى من فلول النظام البائد. ابتسم سعد ابتسامة سخرية قائلاً: لو قارنت بين ما تعرّضت أنت له وما تعرضت أنا له ستعرف أننى تعرضت للأسوأ. لقد أشاعوا بين الشعب أننى عميل للإنجليز وتلميذ لوالد زوجتى إسماعيل باشا فهمى رجل الإنجليز، وكان رئيس وزراء مصر آنذاك، وأيضاً قالوا إننى مدمن للخمر ولعب القمار، ورغم كل هذا لم أتأثر بل ازددت صلابة وقوة، واندمجت أكثر مع الشعب وتعايشت مع همومه وآلامه ولم أتقاعس يوماً عن خدمة وطنى وشعبه، لماذا لم تفعل مثلما فعلت؟ - البرادعى: بل فعلت يا سيدى، وأسست عقب عودتى من الخارج الجمعية الوطنية للتغيير، وانضم إليها العديد من أطياف وتيارات المعارضة، وطالبت بتغيير النظام، وفى عز جبروت النظام البائد قمت بقيادة مسيرة للتنديد بقمع جهاز الشرطة وتعذيبه للمواطنين بعد قتلهم لشاب يدعى خالد سعيد الذى أصبح أيقونة ثورة يناير، والتف حولى الشباب. ثم انتابت البرادعى حالة صمت.. - سعد: ماذا بك، هل قاموا باعتقالك أو نفيك؟ البرادعى: لا، لا، كل ما هناك أننى قررت أن أغادر الوطن بمحض إرادتى حتى أتابع الأمور عن بُعد وبدقة وتركيز أكثر، وعدت إلى مصر ليلة جمعة الغضب فى الثامن والعشرين من يناير.. وهنا قاطعه سعد: مهلاً، مهلاً، ألم تكن فى طليعة الصفوف فى يوم الخامس والعشرين من يناير؟! - البرادعى: ألم أقل لك يا سيدى إننى عدت ليلة جمعة الغضب. واستمر البرادعى فى سرد حديثه قائلاً: بعد أدائى لصلاة الجمعة استعداداً للخروج للتظاهر قامت أجهزة الأمن بمحاصرتى داخل المسجد حتى تمنعنى من الخروج، ولكننا لم نستسلم، واستمرت الثورة لمدة ثمانية عشر يوماً حتى تم إسقاط مبارك وتفويضه للمجلس العسكرى بإدارة شئون البلاد. - سعد: وهل بعد ذلك حاولت أن تتواصل مع الشعب؟ - البرادعى: نعم، أتواصل معهم عبر تويتر. - سعد زغلول: تويتر، ما هذا؟!! - البرادعى: أداة للتواصل الاجتماعى عبر شبكة الإنترنت. - سعد مبتهجاً: أفهم من ذلك أن الشعب أصبح على ثقافة ووعى تستطيع من خلالهما التواصل معه عبر الإنترنت. - البرادعى حزيناً: لا يا سيدى، مع الأسف هناك قطاع كبير من الشعب لا يزال يعانى من الأمية. - سعد زغلول مذهولاً: ألم تفطن إلى أنك بذلك وضعت حاجزاً بينك وبين بقية الشعب وسوف يظنون فيك سيئ الظن بأنك تتعالى عليهم وتستخدم أداة تواصل لا يفقهها إلا الخاصة منهم؟ ألم تتعلم من التاريخ أننى فى ثورة 19 كنت أقود بنفسى عامة الشعب وفوضونى لمقابلة السفير البريطانى، وحينئذ قاموا بنفيى خارج البلاد فثار الشعب وخرج عن بكرة أبيه مطالباً بعودتى، وعمّ البلاد وقتها عصيان مدنى تام حتى اضطر الإنجليز للموافقة على عودتى، ووسط هذا الزخم الثورى التحمتُ بالشعب وأنشاتُ حزب الوفد حتى أستطيع من خلاله تحقيق أهداف الثورة وأخوض انتخابات البرلمان.. بمناسبة البرلمان أود أن أسالك: كم عد المقاعد التى حصلتَ عليها فى أول انتخابات برلمانية بعد الثورة؟ البرادعى فى خجل: لم يكن لدىّ حزب أخوض به انتخابات البرلمان. - سعد متهكماً: ما علينا.. أعتقد أنك تداركت هذا الخطأ وخضت انتخابات الرئاسة؟ - الباردعى: لم أخضها أيضاً. - سعد زغلول غاضباً: لماذا؟ - البرادعى: لم تكن لدىّ الضمانات الكافيه لنزاهة الانتخابات لأنها كانت فى ظل حكم العسكر الذى لم يختلف كثيراً عن حكم مبارك خاصة أنها كانت صفقات مشبوهة بينهم وبين جماعة يغلب عليها الطابع الدينى تدعى جماعة الإخوان المسلمين استطاعت من خلالها الحصول على أغلبية البرلمان، غير أنهم تآمروا على الثورة. وبكل حزن أنهى سعد زغلول كلامه للبرادعى قائلاً: وهل كان منافسوك لديهم نفس الضمانات؟ قم وانصرف ولا تشكُ لى حالك مرّة أخرى. تعلّم من التاريخ أولاً واقترب من الشعب واعتذر لهم عما اقترفته فى حقهم.. ملعون أبو اليوم اللى قلت فيه «مفيش فايدة».