واثقاً فى نفسه، مرتدياً روب المحاماة الأسود، وممسكاً ببعض الأوراق البيضاء، وقف المحامى الشهير فريد الديب لمدة تزيد على ساعتين أمام هيئة محكمة القرن، يفند التهم المنسوبة لموكله الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك القابع فى القفص بجواره، أكثر فريد الديب من محاسن صفات الرئيس المخلوع، ونفى عنه قتل المتظاهرين بعد أن حُكم عليه بالإعدام، لم يستقر الديب فى موقعه طوال مدة المرافعة، وراح يتحرك يميناً ويساراً ممسكاً بجميع أدواته القانونية التى يجيد استخدامها فى كل مرافعة. عند سماع اسم فريد الديب تقفز هيئته إلى ذهنك، وتكتمل صورته بسيجاره الشهير وحديثه الهادئ المنمق والمحكم، بجانب الأرقام الفلكية التى يحصل عليها كأتعاب فى القضايا «الثقيلة»، وعباراته الساخرة التى يستخدمها لتوصيل المعنى للقضاة فى القضايا التى يتولى مهمة الدفاع عن المتهمين فيها. إحداها كانت «قضية القرن»، التى تشهد محاكمة علنية فريدة لرئيس جمهورية سابق، تولى مقاليد الحكم لمدة ثلاثين عاماً. تاريخ المحامى فريد الديب، الرجل الذى يخشى أنصار مبارك فشله الثانى فى إعادة محاكمة الرئيس، حيث يراه البعض مقصراً، رغم أنه يقول عن نفسه إنه يجيد استخدام الثغرات القانونية، فى مجابهة رجال القانون أنفسهم، وربما ساعده فى ذلك عمله بالنيابة قبل الإطاحة به نهاية الستينات، فأصبح لا يتوانى فى قبول القضايا التى يعتبرها الرأى العام قضايا «خيانة للوطن»، وأبرزها قضية الجاسوس الإسرائيلى «عزام عزام»، التى طُلب فيها من قبل السفارة الإسرائيلية فى القاهرة، غير أنه فشل فيها، ونال «عزام» حكماً بالمؤبد، فضلاً عن قضايا المشاهير والفنانين ورجال الأعمال، التى كان آخرها محاكمة هشام طلعت مصطفى فى قضية قتل المطربة اللبنانية سوزان تميم. وقف الديب أمام محكمة جنايات القاهرة، مدافعاً عن مبارك ونجليه، فى أولى جلسات المرافعة عنهم، فى جلسة إعادة محاكمتهم مع العادلى ومساعديه الستة، محاولاً تحقيق الحلم الذى ينتظره مبارك وعلاء وجمال، وأنصارهم، بالإفلات من العقوبة، خاصة أن مبارك نفسه أدين فى المحاكمة الأولى بالسجن المؤبد، وهى ثانى أشد العقوبات بعد الإعدام، بتهمة التحريض على قتل المتظاهرين إبان أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير. الديب الذى تجاوز عمره السبعين، يتشبث بالفرصة الأخيرة فى تعويض ما فشل فى تحقيقه أمام المستشار أحمد رفعت، بإثبات براءة مبارك من تهمة تحريض العادلى وقيادات الشرطة على قتل المتظاهرين، وأيضاً بقضية الفساد المالى، حيث يتوافر له فى الأيام المقبلة المناخ المناسب لإبعاد التهم عن مبارك ونظامه وتوجيهها للإخوان وقياداتهم وعناصرهم، وهو ما استخدمه بقوة فى أولى جلسات مرافعته التى ستستمر لعدة أيام، كما استخدمه أقرانه من المحامين فى مرافعاتهم عن باقى المتهمين فى القضية نفسها.