"تم البدر بدري.. والأيام بتجري.. والله لسه بدري والله يا شهر الصيام".. بهذه الكلمات، تعودنا أن تودع الفنانة شريفة فاضل، الشهر الكريم، منذ أن يبدأ العد التنازلي لأسبوعه الأخير، وانقضاء أيامه المباركة.. روعة الكلمات وعذوبة الصوت والأداء الغنائي، يزيدون من حرارة توديع ضيف خفيف رحل سريعًا. شريفة فاضل عاشقة للطرب منذ الطفولة، فكانت دائمة الغناء لأم كلثوم وليلى مراد وعبدالوهاب، ولدت بالقاهرة في 27 سبتمبر 1938، وبعد انفصال والدتها عن والدها، عاشت مع أخوتها رفقة زوج والدتها إبراهيم الفلكي، أحد أكبر أثرياء مصر، ومن خلال علاقاته مع الأعيان، كان لها نصيب أن تغني أمام الملك فاروق وهي طفلة، وأبدى إعجابه بصوتها، في زيارة لمنزلهم. تدربت شريفة على يد أساتذة للإنشاد الديني والموسيقى، واستمع لها إليها، رجل الأعمال السيد ياسين صاحب مصانع الزجاج الشهيرة، وأحد من أصدقاء العائلة، فأعجبه صوتها، وعرض على والدتها أن تشارك كمطربة من خلال فيلم كان ينتجه، وظهرت ولأول مرة في فيلم "الأب"، ولعبت فيه دور طفلة عمياء تغني مع أختها، في سن الثالثة عشرة، التحقت بمعهد الفنون المسرحية رغم صغر سنها، وفي نفس الوقت التحقت أيضًا بالإذاعة، وقدمت عددا من الأغاني بصوتها. كان الشاعر صالح جودت، هو من أطلق عليها اسمها الفني، فاسمها الحقيقي هو "فوقية محمود أحمد ندا"، وتأثرت شريفة به كثيرا، ومن خلاله التقت بأهم الشعراء والكتاب والفنانين. تعرفت شريفة داخل استوديو الإذاعة، بعد نجاحها كمطربة، على زوجها الفنان الكبير السيد بدير، منتصف الخمسينات، الذي شجعها ووقف إلى جانبها، حتى عبر لها عن مشاعره وعرض عليها الزواج، ورغم فارق السن إلا أنها كانت معجبة به وبأعماله الناجحة كمؤلف ومخرج وممثل أيضا، ولكنها انفصلت عنه بسبب غيرته الشديدة التي دمرت حياتها الزوجية، خاصة حين طلب منها اعتزال الفن، وأنجبت منه ابنيها سيد السيد بدير، وسامي السيد بدير. قدمت الفنانة شريفة فاضل، مجموعة هامة من الأغاني، لحنها نجوم بقامة محمد قنديل، وشفيق جلال، وعبد المطلب، كارم محمود، فأغنية "دقوا المزاهر" أشهر أغاني الأفراح في مصر منذ نصف قرن، لحنها فريد الأطرش خصيصا لها، وتزوج على إيقاعها ألوف العرسان. ترعرعت شريفة في أسرة دينية، فهي حفيدة القارئ "أحمد ندا" مؤسس دولة التلاوة، وأول من تنبأ بنبوغ الشيخ محمد رفعت، ما أضفى الصدق على أغانيها الدينية وأبرزها أغنية "يا سامع الدعوات"، وأغاني شهر رمضان "أيام رايحة وأيام جاية.. والأيام الحلوة شوية يا رمضان". "والله لسه بدري"، للشاعر عبد الفتاح مصطفى، أشهر الأغنيات الدينية التي غنتها شريفة فاضل، وأصبحت من طقوس الأيام الاخيرة لرمضان، فتجد الناس منتظرين إعلان إنتهاء شهر الصوم على صوتها، وقال الراحل وجدي الحكيم، أحد رواد الإذاعة، في أحد أحاديثه، أنه حين غنت المطربة "والله لسة بدري" لم تحصل على مقابل نظير غنائها، واعتبرت أن وجود أغنية لها في شهر رمضان على الخريطة الإذاعية، أمر يشرفها، ما كان يعد نادرا بين المغنيين في الإذاعة.