من الواضح أن جماعة «أنصار بيت المقدس» مصابة بعماء الإبصار، عطفاً على عماء القلب الذى تعانى منه منذ مولدها السِّفاح، فهداها عماؤها إلى أن «بيت المقدس» محلُّه مصر، لا القدس الشريف، وأن أعداءه الذين يودون نصرته عليهم هم الجنود المصريون وليسوا الصهاينة، كما علَّمتنا كتب التاريخ، فهم أُسودٌ علينا وأمام إسرائيل نعاجٌ. ومن الواضح أن الإرهاب لن يضع أوزارَه فى أمد منظور، كما نأمل؛ بالرغم من حال الاستنفار الأمنى المشهود الذى تقوم به قوَّاتنا المسلحة والشُّرطية والاستخباراتية، ورغم العمليات الإجرامية العديدة التى طُوِّقت قبل إنفاذها فحُقنت دماءٌ زكية غزيرة كان يمكن أن تُهرق على تراب الوطن. ومن الواضح أن يد الإرهاب السوداء تودُّ أن تؤتَى الإثمَ كاملاً غير منقوص، ليكون شاهداً عليها فى الدنيا والآخرة. ومن الواضح أن الإرهابيين من أزلام الإخوان الدمويين لن يكفُّوا حتى يحملوا الوزرَ كاملاً، ووزرَ من يتبعهم من المُضلَّلين الحمقى، من دون أن ينقص ذلك من وزرهم شيئاً؛ كما قال تعالى فى سورة النحل: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}. فنحن فى حال حرب أبشع من حروبنا مع إسرائيل؛ لأن حربنا مع عدو خارجى لها أدبياتٌ معروفة نفتقر إليها فى حربنا الضروس مع العدو الداخلى الإخوان؛ فجبهة الحرب بيننا وبين إسرائيل حدوديةٌ، بينما تمتد يد عدو مصر الإرهابى لتنخر داخل جسد مصر الجغرافى، فلا تعلم أين ستبطش إذا أشرق الغد. كما أن العدو الداخلى الفاجر، من أسف، يشبهنا فى ملامحنا ويتكلم بلساننا العربى، فلا تستطيع تمييزه، عكس العدو الصهيونى الذى تتمايز ملامحه ولسانه فنأخذ منه حذرنا، ونتأهب للقائه فنفوت عليه المباغتة. وبالرغم من أننا نشهد ونُثمِّن الضربات الأمنية الموجعة التى تقوم بها قوَّاتنا العسكرية حتى كادت تقصم يد الإرهاب وتجتثها من خاصرة مصر، فإنه فيما يبدو أن لليد السوداء أذرعاً عنكبوتية سرطانية ما تلبث أن تظهر هنا وهناك كلما خِلنا أنها فى طريقها للخمود. كما أنه من الواضح أن يد الإرهاب قد بدأت تأخذ خطاً معلوماتياً نوعياً مختلفاً عن الخط العشوائى البدائى الذى ينتمى لحروب العصابات، الذى كانت «تلوِّش» به حتى الأمس، قبل حادث الكيلو 100 بالوادى الجديد بالقرب من واحة الفرافرة، فحصدت أرواح جنود وضباط مصريين يقاربون الثلاثين عدداً، كانوا يرابضون على إحدى نقاط الحرس الحدودية ويؤمِّنون جبهتنا الجنوب - غربية، إثر ضرب مخزن ذخيرة بقذيفة «آر بى جى»، كما أعلن التقرير الأمنى. ومن ثَمَّ علينا البدء فى توسُّل خبرات الفقهاء الأمنيين والمُنظِّرين العسكريين لرسم خطط تأمينية نوعية، بدلاً عن النهج الأمنى القائم على «رد الفعل». فاستهداف كمائن أمنية مصرية ومخازن ذخيرة تخصُّ بلادنا، يعنى أن تلك الخلايا الإرهابية تقوم بدراسة أهدافها بدقة قبل تنفيذ العمليات الممنهجة، وأن ثمة اختراقات لسياجات أمنية مصرية مكَّنتهم من الوصول إلى معلومات دقيقة تخص أمننا القومى تكشف عن أماكن سرية لمخازن ذخائرنا، وأن هناك تدريبات احترافية خضع لها الإرهابيون مكنتهم من ضرب تلك الأماكن العسكرية السرية بقذيفة «آر بى جى» واحدة، فتؤتى ثمارها وتحصد هذا العدد الضخم من أبنائنا الشهداء، كان يمكن أن يتضاعف لولا رحمة الله. فهل آن الأوان لكى ندرس تلك العملية دراسة علمية تمكننا من مكافحة الإرهاب بنهج المعلوماتية الاستخباراتية الذى يكشف استراتيجيتهم وتكتيكاتهم المستقبيلة، بدلاً من الاكتفاء بالنهج العسكرى الأمنى؟ اللهم ارحم شهداءنا، وأحسن عزاء ذويهم، وقوِّ شوكتنا ونجنا من الضالِّين المُضلِّين.