أستأذنكم فى شوية صراحة وطولة لسان فى رمضان، وأن تتحملوا بضع كلمات صادمة من نوع: «تخلف.. وشيزوفرينيا ونفاق.. ونطاعة وتفاهة...»، وربما لا تكفى كل هذه الأوصاف للتعبير عن الغثاء الذى صدر مؤخراً عن بعض الأقلام والمدعين والمسئولين عن الرقابة فى التليفزيون وفى المصنفات الفنية حول مسلسل «سجن النسا» الذى يعرض منذ بداية شهر رمضان فى عدة قنوات إلى جانب التليفزيون المصرى. وقد أذهلنى ما نُقل عن «الأخ» القائم بتسيير أعمال جهاز الرقابة على المصنفات من تهديد لأسرة المسلسل بمنع عرض بقية حلقاته إذا لم تعرض كل المشاهد التى تم تصويرها عليه لمقارنتها بالإسكريبت الذى جرت الموافقة عليه قبل التصوير، وحجة «الأخ» الرقيب هى أن المسلسل «فيه خلاعة زائدة وأحضان ساخنة»!، وأوضح أنه لا يعترض شخصياً على الرقص ولكن هناك فرقاً بين الرقص.. والابتذال! لم يشرح الرقيب ما يقصده ب«الابتذال»، ولكن بدا أنه لم يقرأ السيناريو ولا حتى عرف موضوع المسلسل، ولو كان قرأ لرفضه من الأساس لأن المسلسل يتناول بالتحديد أشكالاً مختلفة من «الابتذال»! وبالتحديد ابتذال المجتمع المنافق الذى يضع رأسه فى الرمال ويرفض الاعتراف بالواقع البائس الذى يبلغ حد عبودية المرأة لأشباه رجال أنطاع يستغلونها ويستحلون مالها وشقاها وعرقها، والمفجع أنهم يجدون طول الوقت من يبرر سفالتهم وإجرامهم بحق الكائن الوحيد الباقى الواقف على أقدامه والحافظ والحامى لهذا المجتمع من البيت.. للعمل.. لصناديق الاستفتاء والانتخابات! والعميان الذين لا يريدون أن يروا الواقع الأليم الذى تعيشه المرأة المصرية هم فى الحقيقة كلهم من نوعية «صابر» أحد الأبطال الأندال فى مسلسل «سجن النسا» الذى دمر حياة كل امرأة عرفها وكان سبباً فى موت وسجن وتعاسة نساء قليلات الحيلة حُرمن من كل شىء حتى من حرية الاختيار.. اختيار نوع العمل أو اختيار «ضل الرجل» الذى يفترض أن يحميهن من أقدام مجتمع فظ يدوسهن ويتحرش بهن ويغتصب كل حق لهن فى الحياة الكريمة! والهجوم الذى يشن هذه الأيام على هذا المسلسل لا أقول إن وراءه فقط غيرة شركات إنتاج منافسة سقطت مسلسلاتها سقوطاً مدوياً أمام هذا العمل الإنسانى والرائع فنياً شكلاً ومضموناً، ولكن وراء الهجوم قدراً هائلاً من الجهل والانحطاط والشيزوفرينيا التى يعانى منها للأسف مسئولون وعاملون بالإعلام والصحافة كان يجب أن يحمّلوا أنفسهم مسئولية التنوير والوعى بخطورة القضايا المهمة التى يطرحها هذا المسلسل المأخوذ عن مسرحية للكاتبة المناضلة الراحلة فتحية العسال وبدلاً من ذلك سمعت وقرأت كلاماً تافهاً عن المسلسل لم يرَ فيه مهاجموه إلا مشاهد رقص لفتيات احترفن البغاء بسبب الفقر أو نساء يستغلهن تجار مخدرات! والغريب أن مقص الرقيب فى تليفزيون الدولة المسئول الأول عن مقاومة التخلف يسقط بنفسه فى هاوية التخلف ولا يجد أمامه من بين طوفان المسلسلات الركيكة و«المبتذلة بجد» غير مسلسل «سجن النسا» ليقوم بالحذف والتشويه فيه بمنتهى الجهل! وتابعت أيضاً على مواقع «شبكة التقطيع الاجتماعى»، ولا أقول «التواصل» لأن الفيس بوك وتويتر يقومان أحياناً بأدوار أخطرها عزل وتقسيم وفرز البشر إلى مجموعات وشظايا صغيرة كل مجموعة لا تحب أن تسمع إلا ما يتفق مع آراء أصحابها، وقد هالنى كم الهجوم على المسلسل من خلايا داعش التكفيرية على الفيس بوك التى ترى أن «سجن النسا» مسلسل عن العلاقات المثلية والدعارة. وأنا هنا لا أعفى من المسئولية أعداء الإبداع من ذوى النظرة الدونية للمرأة الموجودين فى كل مكان من قمة إعلام الدولة وصحافتها التى يسيطر عليها فكر الإخوان والسلفيين وجماعات تحريم الفن والغناء وعمل المرأة، وهؤلاء هم الذراع التنفيذية لخلايا داعش «الفيس بوكية» الذين يحولون أفكارهم المتخلفة إلى قرارات وتهديدات بالمنع والحذف، والهدف النهائى هو إبقاء الوضع على ما هو عليه: استغلالاً واستعباداً للمرأة وقهرها بمختلف أشكال القمع الاجتماعى والاقتصادى. ولصناع هذا العمل الكبير أقول.. للمنتج الشجاع جمال العدل والمخرجة الرائعة كاملة أبوذكرى ومعها حوار مريم ناعوم الصادق والأداء العبقرى لنيللى كريم نجمة شهر رمضان للعام الثانى بعد «ذات» ولبقية نجوم المسلسل.. كنتم صادقين فى كشف عورات أشباه رجال وأسقطتم أقنعة وشنبات عن وجوه مزيفة.. استمروا.. لن تتغير مصر إلا بفن جديد وإبداع شجاع.. ولن تخرج النساء من السجن الأكبر إلا بإصراركم على إسقاط تابوهات التخلف وتحطيم أصنام «صابر» المنتشرة فى كل مكان.