طالعت ما جاء فى الصحف المصرية حول بيان السيد رئيس الوزراء الإثيوبى هيلى مريام ديسالين فى البرلمان الإثيوبى حينما قال: «إن المباحثات المصرية الإثيوبية حول سد النهضة لن تكون سهلة، وإن مصر سوف تقدم مقترحات صعبة خلال التفاوض»، وقال أيضاً: «إن إثيوبيا تؤمن بالاستخدام العادل لمياه النهر المشترك، وإن المشكلة تكمن فى الجانب المصرى والحكام الذين كانوا يخلقون الأزمات». والحقيقة التى يجب ذكرها هى احترام الرجل لشعبه ممثلاً فى البرلمان وتوجهه لأعضاء البرلمان لشرح ما تم من اتفاق مع مصر وتوقعاته بصعوبات ومشاكل خلال التفاوض حول سد النهضة. أما من حيث محتوى الرسالة التى وجهها السيد رئيس الوزراء إلى البرلمان بأن الشعب والدولة الإثيوبية كانت دائماً على حق فى التعامل مع قضية حوض النيل، وأنها دائماً ما كانت تطالب بالاستخدام العادل والمنصف لمياه النهر المشترك، بينما المصريون وحكامهم هم الذين كانوا دائماً وراء وسبب الأزمات - فهذه لهجة تعودنا عليها كثيراً، وهى للاستهلاك المحلى. صحيح أن «عبدالناصر» أقام السد العالى دون استشارة إثيوبيا، ولكن السد العالى لا يضر إثيوبيا بل يحافظ على عدم إلقاء مياه النيل فى البحر المتوسط، وحصة مصر المائية التى تم تحديدها فى اتفاقية 1959 تعود فى الأصل إلى اتفاقية عام 1929 الحدودية وكانت مع بريطانيا العظمى، التى كانت تمثل إقراراً بالاستخدامات المصرية التاريخية من مياه النيل، وأن اتفاقية 1902 الحدودية بين بريطانيا العظمى والملك منليك الثانى مؤسس إثيوبيا الحديثة كانت تعكس التفهم الإثيوبى بأهمية النيل لمصر والسودان، وفيها تعهد الملك بعدم بناء أى سدود على النيل الأزرق أو السوباط أو بحيرة تانا دون الإخبار المسبق لدولة السودان المصرية، البريطانية وقتذاك. وبعد السد العالى أقامت إثيوبيا سد شارا شارا على بحيرة تانا عام 1967، وسد فينشا على رافد النيل الأزرق عام 1973، وسد تاكيزى على نهر عطبرة عام 2009، ونفق تانا بليس على النيل الأزرق عام 2010، ومصر لم تعترض على أى منها، فماذا نستطيع أن نفعل أكثر من ذلك؟ وتم استثمار مليارى دولار فى إثيوبيا عام 2010 أيام حسنى مبارك، «يعنى الأمور كانت ماشية تمام مع الحكام السابقين». إن المشكلة الحالية تتمثل فى سعة السد الإثيوبى ومدى تأثيره على إيراد النهر لمصر والسودان. وأيام «السادات» تصاعدت لهجة الخلاف مع رئيس الوزراء «منجستو» لاعتزامه وتهديده ببناء سد على النيل الأزرق، وكان التصعيد من الجانبين وليس من جانب واحد، وتصاعدت لهجة الخطاب مرة أخرى وقت الرئيس السابق محمد مرسى فى اجتماعه المشهور المذاع على الهواء، ولكن الشعب المصرى قد أطاح به وبنظامه فماذا تستطيع مصر أن تفعل أكثر من ذلك؟ الحقيقة أن إثيوبيا هى التى خدعت مصر ودول حوض النيل بعرض ومناقشة السدود الأربعة التى كانت تقترحها على النيل الأزرق من خلال مبادرة حوض النيل، وهى سدود «كارادوبى وبيكو أبو ومندايا وبوردر»، وفجأة بعد ثورة يناير المصرية مباشرة ودون سابق إنذار قامت بوضع حجر الأساس لسد جديد اسمه «إكس» ثم «الألفية» ثم «النهضة». وهذا السد الجديد جاء بدلاً من سد «بوردر» بعد مضاعفة سعته من 14.5 مليار متر مكعب إلى 74 مليار متر مكعب! «كده مرة واحدة بدون إحم ولا دستور ولا حتى دراسات»، المهم كان الهدف الإثيوبى هو بناء أكبر سد ممكن فى هذا المكان قبل أن تفوق مصر من مشاكلها الداخلية، ولكن مصر فاقت الحمد لله، فمن الذى أثار المشاكل والأزمات مصر أم إثيوبيا؟! وذكر السيد رئيس الوزراء الإثيوبى فى بيانه أمام البرلمان أن المفاوضات لن تكون سهلة، وهذه حقيقة لأن إثيوبيا تعلم علم اليقين أن السد بأبعاده الحالية له تداعيات خطيرة على مصر مائياً وبيئياً وكهربائياً، وإثيوبيا فى نفس الوقت ترفض وقف بناء السد مؤقتاً حتى يتم الانتهاء من دراسات السد التى أوصت بها اللجنة الثلاثية الدولية. وكان المسار الذى كانت تتمناه إثيوبيا أن تقوم بهذه الدراسات مجموعة من الخبراء الوطنيين من إثيوبيا ومصر والسودان ويختلفون ويتفقون و«اجتماعات رايحة وأخرى جاية» حتى يتم الانتهاء من بناء السد، وتكون مصر أمام الأمر الواقع. ولكن مصر قامت بثورة يونيو ورفضت الاستمرار فى هذا المسار الهزلى، وأصبحت الآن الخيارات أمام اللجنة الثلاثية محدودة لحل الخلاف المصرى الإثيوبى حول السد. لا بد من الموافقة على مشاركة دوليين فى هذه الدراسات، ولا بد من وضع جدول زمنى لا يتعدى شهوراً للانتهاء من هذه الدراسات، وأن هذه المفاوضات لا بد أن تتطرق إلى البدائل الفنية (ارتفاعات أصغر للسد)، وهذا هو الخيار الصعب لإثيوبيا وأيضاً لمصر. الأهداف الإثيوبية كانت لكسر الإرادة السياسية لمصر والانتصار المعنوى لإثيوبيا، والهدف المصرى كان منع أى ضرر على الحصة المائية لمصر التى لا تعترف بها إثيوبيا فى الأساس. الوصول إلى ارتفاع متوسط للسد يمثل حلاً وسطاً يرضى غرور الطرفين، ولكن لن يحقق أهدافهما بالكامل. نرجو أن تكون المفاوضات ناجحة ونصل إلى حل يرضى الشعبين ويبنى أساساً لعلاقات أفضل فى المستقبل، ويجب أيضاً شرح القضية للشعب بشفافية وعرض صعوبات التفاوض مع الجانب الإثيوبى.