لم تشعر أنها وحيدة مثل ذلك اليوم، الذي وقفت فيه تنتظر دورها في طابور طويل أمام نافذة صرف المعاشات، وبداخلها يقين أنها لن تحصل عليه، بعد أشهر طويلة لم تكف السيدة الستينية عن المطالبة بحقها في معاش والدها، الذي غادر الحياة قبل نصف قرن، ويلحق به الزوج، ويهجرها الأبناء الثلاثة، ويبقى الحال أسوأ مما كان. من منزلها بحي العتبة إلى شبرا الخيمة، تقاوم رجاء أحمد علي عاشور، قسوة المرض من أجل الوصول إلى مكتب التأمينات الاجتماعية لصرف المعاش، "عندي القلب والضغط والمرارة وألم في العمود الفقري والقدمين، ما حدش بيرحم كبر سني ومرضي، وراضي يخلص لي الورق"، تلتقط أنفاسها بصعوبة قائلة: "جوزي مات في 2009، كان أرزقي على باب الله، عنده محل براويز صغير، بعدها عيالي اتجوزا وسابوني لوحدي في البيت، قلت أطلع شريحة معاش والدي، ومنها أعرف أعيش باقي أيامي". عراقيل كثيرة واجهت الحاجة "رجاء" التي تحلم بسداد الديون التي تراكمت عليها، أثناء محاولتها صرف معاش والدها، "مش عارفة أدفع الإيجار أو فواتير الكهربا، ومهددة بالطرد من البيت اللي سكناه"، شريحة المعاش التي تقدر بمائة جنيه هي كل ما تبقى للحاجة "رجاء"، لكي تكمل حياتها "مستورة" على حد وصفها، قائلة "بقالي 4 سنين بجري على المعاش، مرة يقولوا لي هاتي اسم والدك رباعي في شهادة الوفاة ومرة تانية عايزين شهادة الميلاد مع أنه لو كان عايش كان يبقى عنده فوق ال120 سنة، ومرة يقولوا الورق بيخلص في القليوبية". تخشى رجاء أن تموت بدون أن يجد أهلها نفقات "الدفن"، بحسب قولها: "مش عايزة حد يشيل همي بعد موتي، ونفسي الحكومة تحس بالناس اللي في سني، وتراعي ظروفهم شوية، وتصرف لهم المعاش اللي مش مستاهل الجري وراه كل ده".