ينساب التفاؤل نهراً مستبشراً حتى لو اعترضته كلمة لكن التى تشير لعيب ما. لكن حين تتكاثر كلمة لكن، فتكون «لاكِنات» متكتلة، ستتحول «اللاكِنات» لجنادل صخرية مقلقة تعترض مجرى النهر وتربك التفاؤل. ■ جيشنا يحمى الوطن من الخطر الخارجى والداخلى. لذا قام جيشنا بدوره تأييداً لشعبه الذى ثار فى 30/6، فحمى الجيش مصر من حرب أهلية أرادها الخارج الذى تآمر مع الذين كنا نظنهم من داخلنا. نحمد الله أن جيشنا جيش لمصر وليس جيشاً لحاكم أو طائفة. وبحمد الله لم يحدث فينا ما يحدث الآن فى بلاد شقيقة، ابتليت بجيش طائفى أو بجيش هزيل يمكن تفكيكه وتفتيت وطنه بتآمر أمريكى. وقف شعب مصر وجيشه ضد تكرار نفس المحاولة فيهما. شعب مصر وجيشه هما حائط الصد ضد تلك المؤامرة التى استهدفت تفكيك المنطقة كلها. وقديماً حمت مصر وجيشها المنطقة من حروب الفرنجة التى رفعت شعار الصليب كذباً، وحمت المنطقة وأوروبا من همجية غزوات التتار، الآن مصر وجيشها قاما بالثورة التوأم 25/30 ليحميا مصر والمنطقة كلها من تآمر اليانكى والصهاينة. هنا أضع أول «لكن» مقلقة.. بصفتى مواطناً مصرياً حاربت لحماية مصر مجنداً ومدنياً، بصفتى مواطناً مثل الملايين التى تعلم قيمة وعظمة جيشها، أطالب بمنع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية مهما كانت الأسباب. هذه فتلة غير مستحبة فى رداء فرسان قواتنا المسلحة. ■ تواصل الشرطة المصرية تقديم الشهداء ولن تتوانى عن حماية الوطن من العصابات الدموية. شهداء الشرطة يتزايدون، شهداء أبرار مثلهم مثل الشهداء المدنيين وشهداء الجيش، وكلهم معاً من أبطال الثورة التوأم 25/30. فى 30 يونيو، تصالح الشعب مع شُرطته فى يوم مشهود، فما فرسان الشرطة إلا منه وله. وهنا تأتى لكن المقلقة، رغم دماء شهداء الشرطة التى كلما جفت دماء سالت دماء جديدة توجع قلوبنا، كيف نتقبل سلسلة القبض على عدد من أطهر شبابنا وآخرهم يارا سلام؟! كيف نتقبل التعذيب المستمر؟ كيف نرضى عن الذى يحدث لفتاتنا سارة خالد من تعذيب وإهانات؟! وأنا أقرأ مقال د.غادة شريف (وعادت الداخلية لأيامها السودة) حزنت. لا أريد أن أصدق. فمن لا يعترف بما قدمته وتقدمه الشرطة لوطننا يكون جاحداً، لكن، وما أصعب لكن المقلقة، ما نراه ونعلمه يربك تفاؤلنا الذى صنعناه بثورتنا العظيمة. ما زلت أتذكر فيديو الضابط الكبير وهو يقول لضباط شباب ما معناه (إحنا أسيادهم) أى أسياد الشعب! ومن تجربتى الشخصية مع أمين شرطة تحول لمقاول، كان يتعامل معى ومع غيرى باحترام، فإذا به أخيراً يتجبر ويتبجح ويهدد بالضرب بالحذاء! أتساءل ماذا جرى؟ أيعمل البعض على إنهاء التوافق والتلاحم الذى حدث فى 30/6؟ بالطبع الداخلية معبأة بالنماذج الإيجابية. أحكى لكم عن قيادة رائعة، خلال اجتماعات لجنة الخمسين التى كتبت دستور 2014، كان من ضمن الأعضاء سيادة اللواء د.على محمد عبدالمولى. كان من أكثر الأعضاء سمواً وأخفضهم صوتاً وأكثرهم رزانة وأعمقهم تواضعاً. بحيث إننا كنا نندهش فى بعض النقاشات لتمسكه الشديد بحقوق الإنسان وكرامة المواطن. فى بدايات الجلسات، هاجمته أنا بشراسة لموقف ما لم يكن يقصده، وتوقعت منه رداً لا يقل شراسة، فهو لواء شرطة ونائب وزير الداخلية، لكنه بكل تواضع وبأهدأ الكلمات، وضّح لى موقفه حتى انتابنى الخجل. اللواء على عبدالمولى كسب احترام الكل، ليس فقط بحسن الخُلق ومعاملته الطيبة مع الجميع، بل أيضاً بعمق آرائه وأسلوب حواره العقلانى. هنا أنا مضطر لمدح شخصية لها مكانها ومكانتها، مضطر لمدحها علناً وسيادته يستحق المديح، وأنا بطبعى أفضل الابتعاد عن الشخصيات المرموقة خشية أن تُحسب علىَّ شبهة منفعة ما. لكن المقلقة تأتى. أقول لوزارة الداخلية وأنا أعتز بما قدمته من تضحيات للوطن وما ستقدمه، أقول لها «فيه حاجة غلط». أرجوكم مع رجاءات الملايين من المواطنين المحبين والمقدرين لكم، يجب مراجعة المنهج. لا نريد فتلة غير مستحبة تسىء لرداء فرسان الداخلية المغاوير. ■ شباب الثورة ليس فقط من كانوا فى التحرير أو القائد إبراهيم، شباب الثورة من كانوا أيضاً فى المدن الصغيرة والقرى. ثم لكن المقلقة، مثلما نرفض أن تدعى مجموعة ما أنها تمثل شباب الوطن كله، فإننا نعذر لهم بعض التجاوزات نظراً لحماسهم الشبابى، وفى نفس الوقت نعترف أن دورهم عظيم فى 25/30 وما بينهما، وسيكون لهم دور عظيم فيما بعد. ونؤيدهم فى رفضهم للتجاوزات التى تقلقهم أكثر مما تقلقنا، بحكم شبابهم الساخن واندفاعاتهم. الشباب المحب لوطنهم متحمسون وأغلبهم أنقياء، لكنهم ليسوا ملائكة أو معصومين من الخطأ، كما أن غيرهم ليسوا ملائكة أو معصومين من الخطأ، فلنعذر بعضنا بعضاً، وعلينا أن نحكم على المسيرة الوطنية بنهرها الأساسى لا بالصخور التى لا تعيق، وفى نفس الوقت علينا أن ننتبه ونعمل معاً على إبعاد تلك الصخور عن المسيرة، نعمل لذلك دون أن نتحول ودون أن ندرى، فنكون نوعاً من الصخور التى تقف فى مجرى الثورة. ■ بلال فضل وعلاء الأسوانى. أديبان ويكتبان فى السياسة. نختلف معهما سواء فى هذا أو ذاك، ثم لكن المقلقة، هل يستطيع أحد أن يشكك فى وطنيتهما؟ لا أظن. مسيرتهما تبين عمق قواهما الذاتية، فهل يمكن تحطيم نواتهما الصلبة المعروفة بحصار أقلامهما؟ هل يمكن إجبارهما على الانحناء؟ لا أظن.