فى شهر أغسطس المقبل، سيكون قد مر عام على فض تجمع «الإخوان» وحلفائهم فى «رابعة»، وفى هذا الشهر أيضاً، سيخوض الرجل الذى منحهم شعارهم الأصفر، وساندهم بقوة، انتخابات رئاسية تنافسية، ليواصل تكريس سلطته فى هذا البلد المهم.. تركيا. ظل رجب طيب أردوغان فى سدة الحكم فى تركيا لمدة تزيد على 11 عاماً كرئيس وزراء بصلاحيات تنفيذية واسعة، وعندما سيفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة، كما هو مرجّح، ستمنحه ولايته الأولى أربع سنوات أخرى فى أعلى مستويات السلطة، وهو ما يعنى أنه سيكون صاحب أطول فترة حكم فى تركيا منذ مؤسس الدولة الحديثة مصطفى كمال أتاتورك. تشير استطلاعات الرأى إلى فوز مؤكد ل«أردوغان»، ويتحدث بعض هذه الاستطلاعات عن استطاعة الرجل حسم السباق من الجولة الأولى، بحصوله على نسبة 56% من الأصوات، مقارنة بمرشحين منافسين غير معروفين للكثير من الجمهور، ولا يحظون بدعم حزبى قوى كالذى يحظى به رئيس الوزراء. لقد استطاع «أردوغان» خلال ثلاث ولايات متتابعة فى منصب رئيس الوزراء أن ينقل تركيا نقلة حقيقية إلى الأمام. وبعدما تسلم زمام الأمور فى وضع صعب، لدولة مديونة، مرافقها متداعية، وأداؤها الاقتصادى هزيل، وموقفها الإقليمى والدولى مهزوز، استطاع أن يصل بها إلى وضع مرموق، بعدما نجح فى علاج الاختلالات، وقيادة البلاد إلى الأمام بقوة. باتت تركيا فى عهد «أردوغان» إحدى الدول المتقدمة فى المجالات الصناعية والاستثمارية، كما انتعش القطاع السياحى بها انتعاشاً قوياً، وتعزز الإنتاج الصناعى، وتدفّقت الاستثمارات الخارجية على الاقتصاد النشط، وتحسّن مستوى الدخل الفردى، ليتضاعف عدة مرات. تلك هى العوامل التى تعزز مكانة «أردوغان»، وتمنحه فرصة الفوز فى الانتخابات المنتظرة، وربما ستمكنه أيضاً من إجراء تعديلات دستورية تضمن له توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية لتصبح أكثر تأثيراً فى السلطة التنفيذية، ويتحول معه هذا المنصب الشرفى، الذى كان يصل إليه صاحبه عبر انتخابات غير مباشرة، إلى منصب أكثر فعالية وتأثيراً. إن إجراء تعديلات دستورية فى هذا الاتجاه يمكن أن يجعل «أردوغان» شريكاً مؤثراً فى السلطة، أو أن يسهل له مواصلة الهيمنة عليها بالكامل، من خلال تحكمه فى الحزب الحاكم، الذى يدين بالولاء له، رغم أن الدستور يجبره على التخلى عن رئاسته بمجرد انتخابه رئيساً. لكن السياسة الخارجية ل«أردوغان» اتخذت منحى مغايراً فى السنوات الخمس الأخيرة، وهى السنوات التى شهدت تكرس سلطته، وتعاظم نجاحاته الاقتصادية من جهة، وتورطه فى فضائح فساد عاتية، وزيادة نزعته الاستبدادية، واعتدائه على حقوق الإنسان، وقمع الصحافة والإعلام، والتغوّل على سلطة القضاء، من جهة أخرى. فقد سعى الرجل إلى لعب دور سلطان عثمانى، وليس رئيس وزراء لدولة إقليمية قوية ومؤثرة، وحاول أن يفرض سلطته على الإقليم، وساند «الإخوان» بقوة فى أكثر من بلد، باعتباره واحداً منهم، أو من أكثر القريبين والمتعاطفين معهم على أقل تقدير. كانت إدارة «أردوغان» لعلاقاته مع مصر سيئة ومتعالية، ومعاندة لإرادة المصريين، ومناوئة للدولة المصرية، طوال الفترة التى تلت إطاحة «الإخوان» من الحكم، وحتى هذه اللحظة، وقد كرّس سلطته، وكاريزمته الشخصية، وكتلة بلاده الحيوية لإلحاق الأذى بالمصريين ومساندة إرهاب «الإخوان». وربما تستمر تلك السياسة بعد وصوله إلى منصب الرئيس، وتوسيع صلاحيات صاحب المنصب؛ لذلك علينا أن نسعى إلى تطوير علاقاتنا بدوائر جديدة داخل تركيا، وعلى رأسها بالطبع الأحزاب المنافسة لحزبه، والجماعات المناوئة له، والشعب التركى نفسه، لأن فوز هذا الرجل فى الانتخابات المقبلة ربما يجعل تركيا تحت حكمه لثمانى سنوات أخرى مقبلة. سيواصل «أردوغان» سياساته المناوئة لمصر والمصريين بعد انتخابه رئيساً، وسيكون علينا أن نطور سياساتنا لنُصعّب عليه الأمور.