«إنها أغلبية حاسمة ويخطئ من يسميها صامتة، وهى حاضرة دائماً، وتظهر بوضوح عندما يُهدد الوطن، يحركها الصدق والتجرد، وهى البطل الرئيسى لملحمة 30 يونيو». - فى الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة 30 يونيو، يجب علينا جميعاً أن نتذكر أن البطل الرئيسى والعنصر الحاسم فى هذه الملحمة هو الشعب المصرى، وأن من كان يُطلق عليهم الأغلبية الصامتة هم حقيقة الأغلبية الحاسمة فى مستقبل وطننا. تلك الأغلبية التى سترسم بإرادتها وعملها مستقبل مصر فى كافة المجالات السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والاجتماعية، فهى إذا اتسمت بالإيجابية واليقظة والإيمان بنفسها وقدراتها وكانت دائمة المشاركة فى الشأن العام، ولم تسمح لأحد بأن يغيبها عنه، فإن مصر ستكون دائماً فى أمان مما يخطط لها من أعداء الداخل والخارج، وسوف تستطيع أن تقهر جميع الصعاب والتحديات، وتحقق التنمية المنشودة لشعبها، أما إذا اتسمت هذه الأغلبية الحاسمة بالسلبية ولم تشارك بفعالية، فإن مصر ستكون فى خطر شديد يهدد بقاءها وجميع مقدساتها. - والمراقب للمشهد السياسى فى مصر منذ ثورة 25 يناير يعلم جيداً أن أعداءنا كانوا يراهنون دائماً على تحييد هذه الأغلبية الحاسمة، بحيث تقتصر المشاركة فى الشأن العام على عناصر الجماعات الدينية المتطرفة، بالإضافة إلى بعض النخب غير المؤثرة، التى يغلب على معظمها عدم التجرد لمصلحة الوطن، مما يجعل مستقبل مصر وشعبها مرهوناً بتوجه هؤلاء، وتجربة الثلاث سنوات السابقة تؤكد ذلك، فغياب الأغلبية الحاسمة عن المشاركة فى بعض الأحداث كانت له عواقب وخيمة هددت كيان ومستقبل الدولة، وعندما شاركت هذه الأغلبية الحاسمة بداية من ثورة 30 يونيو استطاعت أن تحرر الوطن من أسوأ احتلال وقع له فى تاريخه، ومشاركتها فى خارطة الطريق حقق لمصر دستوراً وطنياً يؤسس لدولة المواطنة والديمقراطية والعدالة، وأتى لمنصب رئيس الجمهورية بشخصية وطنية مؤهلة وقادرة على إدارة مصر فى هذه الظروف الصعبة، وبالتأكيد فإن مشاركة هذه الأغلبية الحاسمة هى الضمانة الوحيدة لإنجاز المرحلة الأخيرة من خارطة الطريق والإتيان بمجلس شعب وطنى من المؤهلين لأداء الدور الاستراتيجى للبرلمان المقبل. - ومن الواضح جداً أن رئيس الجمهورية، المشير السيسى، قد وعى هذه الحقيقة من اللحظة الأولى، وقد آمن بأهمية وقدرة هذه الأغلبية الحاسمة، ولذلك نجده فى إدارة الأزمة، خلال الثلاث سنوات السابقة، قد اعتمد عليها بشكل أساسى، وكان دائماً يوجه خطابه لها وينادى عليها ويقول إن الوطن يعتمد عليها بشكل أساسى لمواجهة التحديات التى كانت تهدد كيانه، وعندما حاول البعض أن يجعل الرئيس يعتمد على النخب، ويلتفت عن هذه الأغلبية الحاسمة سواء أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية أو بعدها تحت مسمى الظهير السياسى رفض ذلك وبمنتهى الحسم، وفى اجتماع الرئيس السيسى قبل الانتخابات الرئاسية بأيام معدودة مع القوى السياسية والأحزاب سُئل وبشكل مباشر عن الظهير السياسى، فكانت إجابته حاسمة، حيث قال: إنه ليس فى حاجة للظهير السياسى النخبوى، وإنه يعتمد على الظهير الشعبى، ويرى أنه يكفى لتحقيق آمال وطموحات بلدنا، وقد كرر هذا المعنى فى أكثر من لقاء إعلامى أنه يعتمد على الشعب لتحقيق المعجزات، وفى كلمته بمناسبة الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة 30 يونيو وجّه خطابه أيضاً لهذه الأغلبية الحاسمة، وأكد هذا المعنى مرة أخرى وطلب منهم المساعدة، وقال إن الشعب المصرى قد حمى الأمة العربية كلها وليس مصر وحدها بموقفه فى ثورة 30 يونيو. - ومن أهم ما يميز الأغلبية الحاسمة أنها متجردة للوطن، ولا يحركها أيديولوجيات سياسية، وإنما الوطنية فقط، وهى لا تعرف منطق المصالح الواضح جداً فى أداء النخب السياسية، وهى أيضاً من تعانى من المشاكل والتحديات التى تواجه بلدنا سواء اقتصادية أو أمنية أو اجتماعية، ولذلك فهى إن وجدت من تثق فيه وتلتف حوله فإنها تبذل النفس والنفيس لمساندته، ولا تنتظر مصالح شخصية ضيقة مقابل ذلك، وإنما فقط تنشد مصلحة الوطن، هؤلاء هم من قاموا بثورة 1919، وثورة 52، وهم من خاضوا حرب الاستنزاف ونجحوا فى معركة العبور 73، وهم من قاموا بملحمة 30 يونيو، وهذه الأغلبية الحاسمة حاضرة دائماً عندما يظهر الخطر، ويهدد مستقبل الوطن، ويحركها الصدق والتجرد. - ولذلك يجب علينا جميعاً أن نحافظ على هذه الأغلبية الحاسمة، وندعوها دائماً للمشاركة، ونحرص على التواصل الدائم معها والتأكيد على أنها تمثل الدرع الأساسية لهذا الوطن، وكما قلنا يجب الحرص على الصدق والتجرد عند التعامل مع هذه الأغلبية لأننا نفقدها عندما نفقد الصدق. - ويجب على هذه الأغلبية نفسها أن تدرك دورها التاريخى، وتعلم أن الوطن ومستقبله فى أمس الحاجة إليها وإلى يقظتها، وأن المعركة لم تنتهِ بعد، وأن أعداءنا يعملون ليل نهار فى الداخل والخارج لإجهاض ملحمة 30 يونيو، وإفشال الشعب المصرى، وهم يعتمدون فى ذلك على أن الأغلبية الحاسمة سوف تتوقف عن المشاركة وتتصدر المشهد مرة أخرى نخبة المصالح، وجماعات التطرف وعندها يحدث ما لا يحمد عقباه.