بجسد نحيل، ووجه شاحب اللون، يحمل أشرف إدريس «جركن» فارغاً بين يديه، يقطع يومياً 20 كيلومتراً من منزله الصغير إلى صنبور مياه فى كومباوند قريب حتى يملأه: «عيالى هيموتوا من العطش، بامشى فى عز الحر تحت نار الشمس على رجلى عشان أعرف أجيب لهم بق ميه يشربوه»، لم يفلح الرجل الثلاثينى فى ملء أكثر من «جركن» واحد: «الناس بتبقى على الحنفية أُمَم، وعشان أدخل من على البوابة بيبقى بمعجزة عشان مبيدخلوش أى حد». حال «أشرف» من حال كثيرين غيره، أسر منطقة أبوالهول فى التجمع الخامس، فالمياه غادرتهم قبل 4 أشهر، ولم تعد حتى الآن، اللهم إلا إذا اشتروها عبر جراكن أو مياه معدنية. «أشرف» الغفير بالمنطقة، لم يجد مبرراً لانقطاع المياه طيلة هذه المدة: «يعنى الحكومة الجديدة مش قادرة تشوف حالنا، عايش بقالى 7 سنين فى المنطقة ما بين ولاد الأكابر باحرسهم واخدمهم عشان ده أكل عيشى، ومحدش حاسس بينا»، مضيفاً «النور كان بيقطع أكتر ما بييجى وكنا بنتحمل ونقول فترة وتعدى، بس دلوقتى الميه ياريتها تقطع وتيجى، دى مبقتش موجودة أساساً». معاناة «أشرف» هى نفسها معاناة أصحاب الفيلات المجاورة، لكنهم لم يشعروا بالأزمة مثله، لوجود بدائل أخرى: «هما بيشتروا ميه معدنية، يشربوا ويستحموا بيها، لكن محدش متضرر غيرنا، باروح أشترى للسكان كراتين المياه وأنا مش قادر أجيب قزازة واحدة نشرب منها»، مشيراً: «إحنا لو فضلنا على الحال ده هنمرض، وحاولنا نشتكى كتير للجهاز محدش بيسأل فينا عشان محدش بيشتكى غيرنا، أصحاب الشقق اللى بيسافر واللى بينقل فى بيته التانى واللى معاه فلوس بيشترى».«باخد 300 جنيه فى الشهر كله وعندى خمس عيال، أجيب منين أوكّلهم عشان أشرّبهم»، بصوت مخنوق، قالها محمد فتحى، حارس فيلا بمنطقة أبوالهول: «بقالى 6 سنين بره الصعيد وباتنقل بواب من فيلا لفيلا وكلهم بيدوا زى بعضهم، محدش بيراعى حد والدنيا هنا غالية جدا». وأضاف الرجل الأربعينى: «الكهربا بتقطع كتير وعمود النور فى الشارع من غير نور، وفى الآخر يقطعوا علينا الميه 4 شهور وإحنا بقينا فى رمضان، بيعدى علينا ناس بميه تبيع لنا الجردل ب20 جنيه وتستغل الموقف، بس إحنا مش معانا فلوس حتى نشترى ربعها، الحقنا يا ريس هنموت عطشانين».