لم يكتفِ تجار السلع المغشوشة بمحافظة البحيرة، إغراق الأسواق بالسلع الغذائية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي، ولكنهم عكفوا على تقليد المنتجات المشهورة لتحقيق مكاسب غير مشروعة، على حساب صحة آلاف المواطنين الأبرياء، خاصة سكان القرى الذين يستهلكون كميات كبيرة من السلع دون التحقق من مصدرها. ووسط هذا الكم من الفساد ظهرت تجارة جديدة تستهدف صحة الأطفال والكبار من جميع الفئات، وهي تعبئة وتوزيع المياه المعدنية والمفلترة، التي انتشرت بالأحياء والقرى بصورة كبيرة، واتخذ القائمون على هذه المصانع غير المجهزة، المناطق البعيدة عن عيون الأجهزة الرقابية، ودأبوا على بيع المياه المفلترة والمعدنية المغشوشة. مخازن كبيرة تتعدى مساحتها 150 مترا، وتانكات بلاستيك بيضاء تسع لأكثر من 500 لتر، وفلاتر لا يتم تغييرها إلا بعد فترات طويلة دون استشارة أو تدخل متخصصين، وزجاجات مياه معدنية فارغة "مستهلكة" وجراكن "درجة ثانية"، ومصدر للمياه العادية، ووسيلة لنقل المياه بعد تعبئتها، هي كل ما يحتاجه مروجوا المياه المفلترة والمعدنية المغشوشة، لإقامة مشروعهم غير المرخص، مستغلين حاجة المواطنين إلى كوب مياه نظيف لتحقيق أرباح غير مشروعة، ولم يهتموا بالأضرار الناجمة عن شرب المياه دون تنقية أو تحليل عناصرها، واهتموا بالربح الذي يعود عليهم دون مشقة أو عناء. "مياه الحنفية غير مضمونة وطعمها بيتغير يوم بعد يوم، ولا نستطيع الاعتماد على مياه الفلتر بشكل كامل، وليس أمامنا سوى شراء المياه المفلترة الجاهزة، لضمان صحتنا وصحة أبنائنا"، كلمات بدأ بها العشرات من سكان البحيرة كلامهم مع "الوطن". وقال أحمد زيدان، مهندس زراعي، أحد أهالي مركز المحمودية، لا أحد ينكر مدى سوء مياه الشرب التي تصل إلينا من مواسير شركة المياه بالمحمودية، وخاصة سكان قرية "فيشا" الذين يعانون من أزمة مياه الشرب منذ سنوات، ولم نجد بديلا عن شراء مياه مفلترة ومعبأة داخل زجاجات مياه معدنية، لضمان الحفاظ على صحتنا وأبنائنا، وعلى الرغم من أن الأمر مكلف ماديًا، إلا إنه موفر عن شراء زجاجات المياه المعدنية التي تنتجها شركات مشهورة، وثقتنا في الشباب القائمين على مثل هذه المشروعات غير مضمونة، ولكننا نعتبرها أفضل من مياه "الحنفية" بكثير. وفي كفر الدوار، اعتمد سكان حي الحدائق على شراء المياه المفلترة من عربات توزيع المياه، حتى أصبحت البديل الطبيعي لمياه الشرب لدى سكان المنطقة، وقال إسلام الطوخي، تاجر، نعتمد على مياه الشرب المفلترة في حياتنا اليومية، نظرًا لصعوبة استخدام مياه "الحنفية"، حيث إن منطقة الحدائق والتمليك يحصلون على المياه من شركة خاصة بمصانع الغزل والنسيج بكفر الدوار، وهي أقل كفاءة من شركات مياه الشرب الحكومية، ولأن سكان المنطقة من الطبقة المتوسطة، فلا يستطيعون شراء مياه معدنية، وفي الوقت نفسه تستهلك المنازل فلاتر بطريقة كبيرة بفعل تلوث المياه الشديد، لذا يعتمدون في المقام الأول على مياه الشرب المفلترة، التي يبيعها الشباب على السيارات في الشوارع، ومنهم من يتعاقد معهم لتوريد مياه الشرب باعتبارها أفضل من المياه العادية. ولم تتوقف حملات مديرية التموين بالبحيرة، ضد أصحاب مصانع تعبئة المياه المخالفة، وكانت البداية في عام 2012 حينما تمكن ضباط مباحث التموين، من ضبط "ياسر ج.ا" عامل، مقيم وادي النطرون، لإدارة مسكنه كمصنع لتعبئة المياه المفلترة جزئيًا، وتعبئتها في زجاجات تحمل بيانات مياه معدنية بدون ترخيص، وعُثر بداخل مسكنه على 550 زجاجة مياه معدنية، مدون عليها كلمة "أكوا زمزم"، وعدد 216 زجاجة فارغة، و 48 غطاء زجاجة أزرق اللون، 124 استيكر مدون عليهم أسماء شركات "نهل، هنا بيور، أكوا زمزم"، بالإضافة إلى ماكينة تغليف يدوي، وعدد 6 صنابير مياه نصف بوصة بلاستيك، وحُرر آنذاك المحضر رقم 1233. وتوالت بعدها الضربات لأصحاب المصانع المماثلة، بعدما اتخذ العديد من الخارجين على القانون، هذه الصناعة دون دراسة أو توفير الاشتراطات اللازمة، حتى إن الكثير منهم يسخدمون المياه العادية دون فلترة أو تجهيز، ويقومون بتعبئتها وبيعها للجمهور، ومنهم من يعبىء جراكن المياه ويبيعها للمستهلكين، مستغلين حاجتهم لمياه نظيفة للحفاظ على صحتهم. ومازالت تلك العناصر تمارس عملها في الخفاء، غير مكترثين لصحة المواطنين، إلا أن الجهات الرقابية كانت لهم بالمرصاد، حيث تمكن منذ أيام قليلة ضباط مباحث التموين، من ضبط مصنع مياه شرب معدنية بدون سجل صناعي "سجل صناعي منتهي"، وضبط 320 زجاجة مياه معبأة سعة الواحدة 7 لترات، وجرى تحرير المحضر اللازم لهم، ومصادرة المضبوطات. وقال الدكتور أحمد عبدالحي، صيدلي، يلجأ الكثيرون إلى تناول المياه المعدنية أو المفلترة مجهولة المصدر، بزعم الحفاظ على صحتهم وصحة أطفالهم، وهربا من تحذيرات تلوث المياه العادية، ولم يدركوا أنه حتى هذه المياه يمكنها أن تكون سببًا في أضرار عدة، أحيانا ما تكون بعض أنواع هذه المياه غنية وبنسب مرتفعة بالصوديوم الضار بالصحة بشكل عام، وتحديدًا لهؤلاء الذين يعانون من مشكلات صحية بضغط الدم، فيما أكدت عدة دراسات طبية، على أن الارتفاع الواضح بنسب الإصابة بتسوس الأسنان، خلال السنوات الأخيرة، يعود إلى زيادة الاعتماد على المياه المعبأة بالزجاجات للشرب، مقابل مياه الصنبور، الأمر الذي يعني عدم الحصول على نسب مطلوبة من مادة الفلوريد المفيدة للأسنان، والتي يختفي وجودها من زجاجات المياه تقريبا.