جامعة المنيا تقرر عزل عضو هيئة تدريس لإخلاله بالواجبات الوظيفية    "الجارديان": تأثير اغتيالات "حزب الله" قد يستغرق شهورًا للظهور    حسين لبيب: الزمالك يتعرض لحملة كبيرة.. وكأس السوبر الأفريقي 2024 أمام الأهلي الجميع سيتذكره لسنوات    المثلوثي: عبدالله السعيد أسطورة مصرية.. وشيكابالا يعشق نادي الزمالك    أحمد محمود: سعيد بالعودة إلى بيتي من جديد.. وأتمني المزيد من البطولات مع الزمالك    «الناس بتقولي منك لله ده تعبان».. كيف رد مجدي عبد الغني على واقعة مؤمن زكريا؟ (فيديو)    مقتل 3 أشخاص من عائلة واحدة في مشاجرة على ري أرض بأسيوط    ينتظرك الكثير من الرسائل والمكالمات.. توقعات برج الحمل اليوم 30 سبتمبر    «أمين البحوث الإسلامية» يقدم روشتة علاج للحماية من «خطر الإلحاد» (صور)    الأنبا باسيليوس يترأس قداس المناولة الاحتفالية بكاتدرائية يسوع الملك    فصائل عراقية مسلحة تعلن تنفيذ هجوم على هدفين في إسرائيل    4 شهداء ومصابون في قصف للاحتلال وسط وجنوب قطاع غزة    حزب الله يشن 11 هجوماً على مستوطنات جيش الاحتلال    "الفرصة كانت سانحة".. إعلام عبري يكشف سبب إلغاء عملية لاغتيال السنوار    ماذا بعد اغتيال نصر الله؟.. تحديات يواجهها الأمين العام الجديد لحزب الله    بايدن: يجب تجنب اندلاع حرب أوسع في الشرق الأوسط    إعلام إسرائيلي يفجر مفاجأة بشأن سر تأخير اغتيال يحيى السنوار    الرئيس السيسي: ندعم استقرار الصومال ولا علاقة لهذا بإثيوبيا    «عيار 21 الآن يثير الجدل».. أسعار الذهب اليوم الإثنين بيع وشراء بعد آخر قفزة سعرية (تفاصيل)    رسميا بعد الارتفاع.. سعر الدولار أمام الجنيه اليوم الإثنين 30 سبتمبر 2024 (تحديث الآن)    أستاذ اقتصاد يوضح كيفية تطبيق الدعم النقدي ودور الجمعيات الاستهلاكية (فيديو)    الأهلي يعلن إصابة محمد هاني بجزع في الرباط الصليبي الخلفي للركبة    نابولي يفوز على مونزا 0/2 ويتصدر الدوري الإيطالي مؤقتا    رضا شحاتة: منصب مدير الكرة مهم في الأهلي    "حمل على الأعناق".. استقبال تاريخي من أهالي قرية شرويدة بالشرقية لناصر منسي    السفيرة الأمريكية لدى مصر تشارك في فعاليات برنامج "هى الفنون" بالقاهرة    أمواج بارتفاع 4 أمتار.. الأرصاد تعلن تفاصيل طقس الاثنين بدرجات الحرارة    "الحماية المدنية" تسيطر على حريق هائل في سيارة تريلا محملة بالتبن بإسنا جنوب الأقصر    مصرع سائق إثر تصادم توكتوك بسيارة تريلا على طريق قويسنا بالمنوفية    العثور على جثة حارس خاص مهشمة في أرض زراعية بمحافظة البحيرة    جثة أسفل عقار مواجهة لسوبر ماركت شهير بالهرم    سقوط غامض لفتاة يثير لغزًا في أكتوبر    الفرح بقى جنازة، مصرع شاب وإصابة آخر في حادث تصادم جنوب الأقصر    محافظ جنوب سيناء: 15% زيادة متوقعة بحجم الإقبال السياحي في أكتوبر ونوفمبر المقبلين    وزير الإسكان يطمئن على جودة مياه الشرب بمحطة بمدينة طيبة الجديدة    برج القوس.. حظك اليوم الاثنين 30 سبتمبر: تشعر بطاقة إيجابية    د.حماد عبدالله يكتب: فى سبيلنا للتنمية المستدامة فى مصر !!    زوج أمام محكمة الأسرة: «كوافير مراتي سبب خراب البيت» (تفاصيل)    نسرين طافش أنيقة وفيفي عبده بملابس شعبية.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| اعتذار شيرين لشقيقها وموعد عزاء زوجة فنان وانطلاق مهرجان الجونة السينمائي    تامر عبدالمنعم بعد رئاسة "الفنون الشعبية": طالما لدي شباك تذاكر فالمسرح يهدف للربح    عميد معهد القلب يكشف تفاصيل إنقاذ حياة شاب بعملية الأولى من نوعها    هل يؤثر شرب الماء البارد على القلب؟.. الدكتور محمد عبدالهادي يوضح    غدا.. قطع التيار الكهربائي عن 3 أحياء بمدينة طور سيناء    لأول مرة في السوق المصرية.. هواوي توقع شراكة مع «طلعت مصطفى» لتقديم خدمات التكنولوجيا السحابية للمدن الذكية    "مستقبل وطن" يستعرض ملامح مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد    وزير الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدمت أكثر من 93 مليون و822 ألف خدمة مجانية خلال 59 يوما    هل يجوز أن أترك عملي لأتابع مباراة أحبها؟.. رد صادم من أمين الفتوى لعشاق كرة القدم (فيديو)    السيسي: مصر من أوائل الدول التي تعالج المياه بأحدث وسائل التكنولوجيا    نائب محافظ دمياط تبحث عملية تطهير خزانات المياه بمبانى الجهات الحكومية    مستشفى لا ملهى !    إبراهيم رضا: الزوج الذي لا يعول أولاده خان علاقته بالله.. فيديو    رمضان عبد المعز: الله سبحانه وتعالى يكره هذه التصرفات من عباده    مفاجأة حول المتسبب في واقعة سحر مؤمن زكريا.. عالم أزهري يوضح    دون جراحة، مستشفى ملوي تنجح في علاج حالة سرطانية نادرة (تفاصيل)    الأمانة العامة بالنواب تخطر الأعضاء بجدول الجلسات البرلمانية    متفوقة علميًا وطيبة السمعة، الإدارية العليا تلغي استبعاد فتاة من وظيفة قضائية    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف نطبخ بترول؟
نشر في الوطن يوم 31 - 05 - 2014

في المقال السابق، تحدثت عن تخليق البترول في الطبيعة، شارحاً أن البداية تكون بترسيب صخور غنية بالمواد العضوية، تتبعها المرحلة الثانية والتي تكون بفعل النشاط الميكروبي، حيث تعمل البكتريا اللاهوائية علي تحويل المواد العضوية إلى كيروجين، وفي المرحلة الثالثة يتحول الكيروجين بفعل الحرارة والضغط، وعلي فترات زمنية جيولوجية، إلى البتيومين. مكونات البتيومين هي ذاتها مكونات البترول، ولكن الفارق أن البتيومين يجب أن يتحرك من مكان المنشأ إلى مناطق تجمعه، حتي نسميه بترول. يتميز البتيومين بأن بعض مكوناته سائلة والبعض الأخر غازي أو حتي صلب، ولذلك عند الهجرة من مكان المنشأ عبر الصخور، ينتقل البتيومين الغازي أسرع كثيراً من البتيومين السائل. ويذكر أيضا أن البتيومين الصلب، علي الرغم من كونه صلبا، فإنه يتحرك نظراً لقدرته علي الذوبان في المذيبات العضوية والتي تتوفر،، بالطبع في البتيومين السائل. والجدير بالذكر أن الكيروجين والذي يعتبر الأب الشرعي للبتيومين، لا يستطيع الحركة لأنه لا يتواجد إلا علي الصورة الصلبة فقط وهو غير قابل للذوبان في الماء أو المذيبات العضوية.
يتصادف أن تتوقف عملية تكون البترول في الطبيعة عند أحد المراحل، ولا يستكمل نضج البترول. ذلك بفعل بعض المؤثرات الجيولوجية والتي لا داعي للخوض فيها الآن، مثلاً عندما لا تدفن الصخور الكيروجينية عند أعماق ملائمة، وتظل علي حالتها الصلبة ولا تنتج البتيومين الذي كان من الممكن أن يهاجر من المنشأ صاعدا إلى المصيدة البترولية التي تجمعه. حدث هذا في مناطقة كثير من العالم منها مصر والأردن وسوريا والمغرب وتونس، وعلي المستوي العالمي يذكر أسيتونيا وتركيا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية. مع بدايات القرن العشرين نجح علماء غرب أوروبا في تخليق البترول من الصخور الكيروجينة، وكانت قصة النجاح المثالية في أسيتونيا منذ عام 1928 حيث أستحدث نموذج لمحطة توليد كهرباء بحرق الصخور الكيروجينية. علي الرغم من أن أحتياطات الصخور الكيروجينية، والتي تعرف عادة باسم "الطفلة الزيتية"، ليست كبيرة في أسيتونيا، إلا أن أكبر قصص لنجاح إستخدامها في توليد الطاقة وتخليق النفط صناعياً، كانت في هذه الدولة والتي تقع في شمال شرق أوروبا، جنوب فنلندا. تنتج أسيتونيا 92% من الطاقة الكهربية التي تحتاجها من الطفلة الزيتية، كما أنها حققت قدر من الإكتفاء الذاتي من البترول المخلق من الطفلة الزيتية. بينما دول مثل الأردن والتي تمتلك أحتياطي من الطفلة الزيتية تتجاوز إنتاجيته من النفط تعادل 100 بليون برميل، أي أكثر من ثمانية أضعاف ما لدي أسيتونيا، فالاردن لم تنتج شئ حتي الآن، علي الرغم من أن العديد من الشركات العالمية العملاقة في صناعة البترول قد ضخت إستثمارات كبيرة في صحراء الأردن، أملا في تحقيق أرباح مناسبة. تزداد الرغبة للإستثمار في تخليق النفط من الطفلة الزيتية كلما أرتفع سعر النفط، فبينما سعر انتاج النفط تقليديا في بعض الدول الخليجية لا يتجاوز خمسة دولار للبرميل، فإن سعر البرميل من النفط المخلق من الطفلة الزيتية يتراوح بين 30 و60 دولار، في أغلب الأحيان. ويلاحظ التفاوت الكبير في سعر إنتاج النفط من الطفلة الزيتية، وذلك لعدة أسباب بعضها فني وشديد التخصص، غير أنه من الممكن القول أن الوضع الجيولوجي وتكلفة الإستخراج ونوع الكيروجين هي من بين أهم الأسباب. قطعت الأردن شوطاً كبيراً جداً في أستكشاف ما لديها من الطفلة الزيتية، بينما نحن في مصر مازلنا لاندري شئ عن ما لدينا من أحتياطات، فيما عدا منطقة القصير وسفاجا بالبحر الأحمر.
نعود من جديد لأساليب إنتاج الكهرباء و النفط من الصخور الكيروجينية والتي تعرف مجازاً باسم الطفلة الزيتية، حيث يفضل العاملون في هذا المجال إلى تقسيم طرق التشغيل إلي نوعين، هما داخل وخارج الموقع الجيولوجي. بمعني أن الطفلة الزيتية قد يمكن تشغيلها وهي في موقعها الجيولوجي، أو أنه يلزم أستخراجها من موقعها الجيولوجي ونقلها للموقع الذي ستتم فيه عمليات التشغيل. الفارق بين الأسلوبين في التشغيل كبير جدا. طرق التشغيل داخل الموقع الجيولوجي تعتمد في الأساس علي حفر مجموعة من الآبار في منطقة محددة، حيث تكون وظيفة هذه الآبار هي عمليات التسخين والذي قد يستمر لآكثر من عامين. يكون من نتيجة ذلك أن ينضج (يطبخ) الكيروجين ويتحول إلي البتيومين، والذي يمكن إستخراجه فيما بعد علي صورتيه السائلة والغازية. واقع الحال، لم يكتب لهذا الأسلوب في التشغيل النجاح المنشود حتي الأن. وكثرت الإنتقادات البيئية لم تسببه هذه الطريقة من تلوث لمياه الخزان الجوفي.
اما طرق التشغيل خارج الموقع، أي بعد استخراج الصخر من موقعة الجيولوجي إلي موقع التشغيل، فلقد شهدت نجاحات في دول عديدة، وتنوعت التقنيات حتي أن العقدين الأخيرين شهدا تطورا تكنولوجيا غير مسبوق في إنتاج الطاقة والنفط معاً من الطفلة الزيتية. حتي نبسط الأمر، فإن أسلوب الحرق المباشر لإنتاج الكهرباء يستلزم عدم الإستعانة بمصدر طاقة إضافي، وكان الحد الأدني للمواصفات اللازمة لتشغيل الطفلة الزيتية أنها يمكن أن تنتج أكثر من 1500 كيلوكالوري لكل كيلوجرام من الصخر، عند الحرق. ولكن التقدم الذي حدث مؤخرا نجح في استخدام الطفلة الزيتية التي تنتج فقط 800 كيلوكالوري لكل كيلوجرام من الصخر، دون الإحتياج لمساعدة من مصدر طاقة خارجي أو إضافي. نجح ذلك في دول جوار، وهي تقنية تمتلكها شركات عالمية أنفقت الكثير من أجل بلوغ هذا المستوي التقني الراقي. تعددت نماذج التقطير التي تنتج طاقة كهربية وأيضا تقطر جزء من محتواها العضوي إلى بترول، بل ويمكن لهذه النماذج أن تستوعب حوالي 10% نفايات، ونسبة اكبر من بعض النفايات مثل أطارات السيارات المنتهية الصلاحية وما في حكمها. بيد أن الشركات المالكة للتكنولوجيا لن تقدم أسرارها لأحد، ولكن تتقدم للعمل في أي موقع لديه الطفلة الزيتية الجيدة بشروط ليس من بينها تسريب أسرار التكنولوجيا. ليس لدينا أختيار سوي أن نعتمد علي هذه الشركات لنتشارك معا في جزء من الربح، أو أننا ننتهج طريقا أصعب وهو عدم استيراد التكنولوجيا بل نسعي إلي توطينها، علي أن نتقبل الفشل مرة وراء أخري حتي بلوغ النجاح، عندها سيكون لنا منهجنا المتوافق مع ما لدينا من خامات وخبرات ومعطيات أقتصادية. يبقي السؤال الأزلي: هل حقا لدينا الرغبة والقدرة علي ذلك؟
في عام 2010 حصلت أحد الشركات الأمريكية علي براءة أختراع علي تصميم لتقطير البترول من الطفلة الزيتية. وصف التصميم علي أنة الأفضل بيئيا. يعتمد التصميم علي تحضير ما يسمي كبسولة وهي حفرة ذات أبعاد 380 متر طولاً و 150 متر عرضا، علي أن تكون هذه الكبسولة أقرب ما تكون للموقع الجيولوجي الذي ترقد به الطفلة الزيتية. تنقل الصخور المكسرة، ولكن دون طحن، إلي الكبسولة حتي الإمتلاء وتكبس لتقليل الفراغات للحد الأدني وتغطي بنواتج الحفر. تمر مواسير داخل الكبسولة لتسخين الكيروجين عند درجة 700 درجة مئوية ولمدة 180 يوم، عندها، يكون قد أكتمل نضج (طبخ) الكيروجين متحولاً إلي البتيومين بصوره الثلاثة أي السائلة والغازية والصلبة، ومضافا إليها منتج إضافي وهو الهيدروجين. يتم الحصول علي كافة المنتجات بأسلوب تقني رائع معد مسبقا عند إنشاء الكبسولة. قيل أن تكلفة إنشاء الكبسولة وجميع عمليات التشغيل وفقا لبيانات الشركة صاحبة التصميم تبلغ من 20 إلي 24 مليون دولار، بينما تبلغ قيمة المنتجات ما بين 60 و65 مليون دولار، بإعتبار ان سعر برميل البترول في السوق العالمي هو 80 دولار. بقي أن نعرف أن الدراسات التي تم تنفيذها علي الطفلة الزيتية في القصير أثبتت قدرتها علي إنتاج 110 لتر لكل طن، لو أخذنا في الإعتبار أن كثافة الصخر المعني حوالي 2.4، لأمكننا أن ندرك أن كل متر مربع من الطفلة الزيتية في بعض مناطق القصير قد ينتج أقل قليلا من برميلين من البترول عند الطبخ الجيد.
* الأستاذ المتفرغ بكلية العلوم بجامعة القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.