قد يكون العنوان غريب بعض الشئ، ولكن المتخصص في علم الجيولوجيا يعلم تحديدا أن طبخ البترول هو أحد أحتمالات سد الفجوة بين إنتاج البترول وإستهلاكه في بعض الدول، أو في بعض الأوقات العصيبة التي يزداد فيها استهلاك البترول ومشتقاته، كما حدث إبان الحرب العالمية الثانية. ولكن، حتي يتمكن الغير متخصص من فهم المعني المشار إليه، فعلينا أن نبدأ بفهم آلية تكون البترول في الطبيعة. وسوف أحاول تبسيط الموضوع والتخلي عن المفردات العلمية الصعبة مع الحفاظ علي السياق العام للموضوع. نتيجة لظروف جيولوجية محددة، دفنت كميات هائلة من النباتات، والتي تحولت مع مرور الزمن والعمليات الجيولوجية المتتابعة إلى بترول وغاز وفحم، أستطاعت هذه النواتج الجيولوجية أن تغير نمط حياة الإنسان علي الأرض وبصورة جذرية خلال القرنين الماضيين. ويعتقد أنها ستستمر في هذا التأثير علي حياة البشر حتي نهاية القرن الحالي، ما لم يكتشف الإنسان بديل منافس للطاقة. لا مجال للشك في أن هذا البديل قادم لا ريب، ولكن متي تحديدا، هذا ما سوف تشهده ربما العدة عقود القادمة. علي كل حال، في التاريخ الجيولوجي القديم - فيما يسمي بحقب الحياة الأوسط، كانت المنطقة العربية من بين أكثر المناطق علي سطح الأرض تأثراً بالتغير المناخي، حيث أرتفع منسوب الماء في المحيط والذي تعرف بقاياه الآن بعد أن تقلص وإنحصر بالبحر الأبيض المتوسط، بينما كان البحر الأحمر غير موجود البته، وكانت أرض مصر والجزيرة العربية أرض واحدة، بل ويمكن أعتبار الجزيرة العربية في الزمن الطباشيري (منذ حوالى 60 مليون سنة)، جزء من القارة الكبيرة التي تعرف الآن بأفريقيا. أعود لأقول أن المحيط كان يُغرق أغلب مساحة الجزيرة العربية والعراق والشام ومصر وليبيا وكل شمال أفريقيا. أرتفع منسوب الماء، حتي أن شاطئ البحر كان عند مدينة الخرطوم. في هذه الفترة الزمنية رسب البحر رواسب كانت غنية بدرجة ملحوظة ببقايا النباتات، والتي تحولت بفعل العمليات الجيولوجية إلى بترول وغاز، حدث ذلك في بعض الدول العربية مثل السعودية والإمارات وقطر والعراق والكويت وليبيا، بينما نفس الرواسب لم تتمكن من إنتاج لا بترول ولا غاز في البعض الأخر من الدول منها مصر وسوريا والأردن وتونس والمغرب. قد يكون الأمر محيراً لغير المتخصص. إذا كان نفس البحر، أو نسميه المحيط، قد قام بدوره ورسب صخورا غنية بالمواد العضوية، فلماذا أنتجت بترول في بعض المناطق، وبترول وغاز في البعض الأخر، أو غاز فقط دون بترول في أماكن أخري، بينما أمتنعت عن إنتاج أي شي في مناطق أخري، من بينها مصر؟ إذا، لماذا أنتجت النباتات التي دفنت نواتج مختلفة، هي البترول والغاز والفحم، بين نواتج أخري لا مجال لذكرها الأن؟ ولماذا لم تنتج منتجا واحدا، في أماكن بعينها؟ حتي نصل إلي إجابات صحيحة لهذه التساؤلات، يجب علينا أن نتتبع عمليات التغير التي تصاحب المواد العضوية منذ أن كانت نباتات بحرية، وحتي أنتجت بترول أو غيره. البداية كانت بعد دفن النباتات تحت رواسب البحر، حيث تنشط أنواع من الميكروبات والبكتيريا الغير هوائية، أي التي تتنفس علي الأوكسيجين الغير حر، والذي هو أحد مكونات المواد العضوية التي دفنت. هذا العمل الذي تقوم به البكتيريا الغير هوائية يقلل نسبة الأوكسيجين إلي حد الإستهلاك الكامل، وتتحول المواد العضوية إلي ما يعرف بأسم الكيروجين ، وهي مادة صلبة لاتذوب في الماء ولا في كثير من المذيبات العضوية. أسم كيروجين kerogen يتكون من النصف الأول لكلمة kerosene أي الكيروسين، وكلمة generator بمعني تخليق أو إنتاج. وبذلك تدل كلمة كيروجين علي أنه الذي ينتج منه الكيروسين، إذا ما تم تسخينه بمعزل عن الهواء. هذا تماما ما يحدث في باطن الأرض، حيث ترتفع درجة الحرارة والضغط كلما إزداد عمق الرواسب . عند أعماق تزيد عن الكيلومترين، وبتأثير الحرارة التي تزيد عن 60 درجة مئوية، وتحت تأثير الضغط يتحول الكيروجين إلي مايعرف باسم البتيومين، والذي يمكن أن يكون سائلا أو غازيا أوصلباً, تأخذ هذه العملية ما تحتاجه من وقت. ونظراً لأن البتيومين قد يكون سائل أو غاز كثافته أقل كثيرا من الصخور المحيطة به، وأيضا لأن درجة الحرارة والضغط عاليين، يبدأ البتيومين في الهجرة صاعدا إلي الأعلي. إن لم يجد ما يوقف حركتة صعودا فسوف يتجمع علي سطح الأرض، وهذا ما عهدناه في مصر عند جبل الزيت علي خليج السويس. عُرف هذا المكان منذ أيام الفراعنة. فعندما ينشع البترول علي سطح الأرض، تتبخر المواد الطيارة وتبقي المركبات الثقيلة مثل الزفت والمواد الشمعية، وهي المواد التي أعتاد الفراعنة علي أستخدامها في التحنيط. لكن المألوف أن التراكيب الجيولوجية في باطن الأرض توقف صعود البترول حتي سطح الأرض، وتتجمع فيما يعرف باسم مصائد البترول. في مثل هذه الحالات يتجمع البترول والغاز معا، حيث يكون الغاز بطبيعة الحال هو الأعلي، لأنه الأقل كثافة. وهذا هو نفس السبب الي يعطي للغاز في بعض الأحيان الفرصة للهروب بعيدا عن البترول السائل، وبذلك قد يتواجد كل منهما منفصلا عن الأخر في بعض الأحيان. إذا أرتفعت درجة الحرارة في باطن الأرض لأعلي من 160 درجة مئوية و ضغط رواسب يزيد عن أربعة كيلومترات، تبدأ مكونات البتيومين السائلة والصلبة إلي التحول إلى غازات، وتتكسر المركبات البترولية جميعاً لتتحول إلي غاز فقط. لكن متي إذا يتكون الفحم. هذا أمر يعتمد في الأساس علي نوع النباتات التي تم دفنها. إذا كان الكيروجين قد نشأ من نباتات بحرية مثل الطحالب، فإن فرصة تكون البترول هي المؤكدة، ولكن لو كان الكيروجين قد تكون من أشجار قارية، فإن الفحم هو المنتج المتوقع. بطبيعة الحال فإن هذه التغيرات كثيرة التعقيد، وهو الأمر الذي ينبغي أن يترك لأهل التخصص. نأتي الأن لعنوان المقال، كيف نطبخ البترول. قد علمنا كيف تطبخ الطبيعة البترول، ولكن كيف لنا أن نفعل ذلك، ونحاكي الطبيعة. إذا لم تؤدي الطبيعة دورها كاملاً، بمعني أن ظروف ما، قد منعت الكيروجين من أن يدفن للأعماق المناسبة وبالتالي لم ينضج ولم ينتج بترول، وظل علي صورته الأولية في الصخور دون أن يتحول لبتيومين، سيكون بالطبع صعب الإستفادة منه، إلا إذا تم طبخه صناعيا عند درجات حرارة قد تصل إلي 700 درجة مئوية، وفي معزل عن الهواء, هذا الطبخ يتم بمعدات خاصة واساليب شديدة التنوع. كلما أرتفع سعر البترول في السوق العالمي، كلما إزداد الإهتمام بطبخ الكيروجين صناعيا. وللحديث بقية، لنعرف أن الصخور الكيروجينية، وهي التي تعرف إعلاميا باسم "الطفلة الزيتية"، تتواجد في مصر بكميات هائلة وتغطي مساحات شاسعة في صعيد مصر والوادي الجديد والقصير وسفاجا. هذه الرواسب لو دفنت وتحللت حراريا كم ينبغي لأنتجت بترولاً يزيد عن ما في ليبيا، ولكنها إرادة الله التي سخرت فتح البحر الأحمر ليمنع طبخ الكيروجين لينتج بترول. والأن، ماذا نحن فاعلون؟ هل نبكي على اللبن المسكوب، أم سيكون العلم والتجربة نبراساَ لنا.