"يلزم لقبول الترشيح لرئاسة الجمهورية أن يؤيد المتقدم للترشح ثلاثون عضوًا على الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسي الشعب أو الشورى.. ولكل حزب من الأحزاب السياسية التي حصل أعضاؤها على مقعد على الأقل بطريق الانتخاب في أي من مجلسي الشعب والشورى في آخر انتخابات أن يرشح أحد أعضائه لرئاسة الجمهورية"، التزامات فرضتها المادة 27 من الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 30 مارس 2011، لتعطي لأحزاب ما بعد الثورة فرصة واضحة للمشاركة في الانتخابات الرئاسية التي أعقبت هذا الإعلان بنحو عامٍ وبضعة أشهر. 6 مرشحين أدرجتهم اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة في 2012، بناءً على قيام عدد من الأحزاب السياسية بترشيحهم في الانتخابات لمجرد وجود أحد أعضائها في البرلمان، فقد شهدت الأسابيع الأولى من فتح باب الترشح للانتخابات تقدم 5 أشخاص بأوراقهم إلى لجنة الانتخابات، كان أولهم محمد فوزي عيسى، الذي كان مرشحا رئاسيا عن حزب "الجيل الديمقراطي"، ثم اللواء حسام خيرالله، الذي رشح نفسه بتدعيم حزب "السلام الديمقراطي"، وتبعه السفير عبدالله الأشعل الذي أيده حزب الأصالة، أعقبه أبوالعز الحريري الذي كان عضوا في مجلس الشعب ومرشحا رئاسيا عن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، واختتم القائمة كل من هشام البسطويسي، الذي دفع به حزب التجمع في السباق، ومحمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة، والذي انتهى الصراع لصالحه في النهاية. ولم يقتصر دور الأحزاب السياسية على الدفع بحوالي نصف مرشحي الرئاسة في 2012، بل كان تأييد 30 من أعضاء البرلمان، التابعين لبعض الأحزاب السياسية، كافيا لإدخال المحامي الحقوقي خالد علي سباق الرئاسة، قبل إغلاق باب الترشح بساعات عقب فشله في جمع العدد المطلوب من التوكيلات. المرشحون المستقلون لانتخابات 2012 لم يفقدوا حظهم من فضل الأحزاب السياسية، فقد كان إعلان حزب الوفد عن تأييد المرشح الرئاسي عمرو موسى وحزب النور عن تأييد المرشح عبدالمنعم أبوالفتوح كافيين لتوجيه بوصلة الرأي العام إليهما والاعتقاد في عدم خروج "فارس الرهان" عن أحدهما، بل وصل الأمر إلى عقد أول مناظرة رئاسية تشهدها الساحة السياسية المصرية، بين نفس المرشحّين دون الالتفات إلى أي من منافسيهم. ويدور القدر دورته، ويستقبل المصريون عام 2014 بانتخابات رئاسية جديدة مبنية على نص المادة 142 من الدستور، والتي قلّصت دور الأحزاب ولم تتح لها القدرة على ترشيح أي شخص للرئاسة، حيث نصت على أن يزكي المترشح عشرون عضوًا على الأقل من أعضاء مجلس النواب، أو أن يؤيده ما لا يقل عن 25 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في 15 محافظة على الأقل، وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها. مرشحان رئاسيان ينتهي إليهما مشهد "مصر 2014"، تنقسم بينهما الأحزاب السياسية دون أن يعلو فضلها على فكرة التأييد والترويج لبرنامج أحدهما الانتخابي، فها هي أحزاب الوفد والنور والمؤتمر والمصريين الأحرار والتجمع تقف على رأس قائمة من الأحزاب التي أيدت المرشح الرئاسي عبدالفتاح السيسي، وسارعت أغلبها بتنظيم حملات دعائية ومؤتمرات جماهيرية وشعبية، في حين أعلنت أحزاب الكرامة والدستور والتحالف الشعبي الاشتراكي ومصر الحرية تأييدها للمرشح الرئاسي حمدين صباحي. الدكتور عبدالغفار شكر، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، قال إنه من الطبيعي أن يكون دور الأحزاب في الانتخابات الرئاسية السابقة أقوى منه في الحالية، لانتماء العديد من المرشحين في انتخابات 2012 للعديد من الأحزاب السياسية مثل أحزاب الحرية والعدالة والتحالف الشعبي الاشتراكي والتجمع، مشددا على أن الدستور لم يظلم هذه الأحزاب حينما سحب منها إمكانية ترشيح أحد أعضائها لانتخابات الرئاسة، وأن تلك الانتخابات لا بد أن يعتمد مرشحوها على تأييد الشعب ممثلا في المواطنين أو تأييد أعضاء البرلمان فقط، وهو ما يمنح منصب رئيس الجمهورية أهميته. وأضاف شكر أن دور الإعلام في الانتخابات الحالية فاق دور الأحزاب فيما يتعلق بالدعايا الإعلامية لكلا المرشحّين، لأن الحوارات التليفزيونية والصحفية التي أجراها كل منهما هي ما أدت في المقام الأول، لمعرفة المواطن المصري بهما، إضافة إلى عدم تمكن المشير عبدالفتاح السيسي من حضور أي مؤتمرات تنظمها الأحزاب نظرا لاعتبارات أمنية، وهذا بدوره ساهم في إضعاف دور الأحزاب السياسية على الأرض مقارنة بالإعلام. وأشار رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي إلى أن الحياة الحزبية، بصفة عامة، في مأزق شديد، وأن الأحزاب السياسية لا تتطور إلى الأمام، وأن المرحلة القادمة تحمل علامات استفهام كبرى بشأن التعددية الديمقراطية في مصر، مشددا على ضرورة التفات رئيس الجمهورية القادم، منذ البداية، إلى أهمية الحياة الحزبية في مصر والعمل على تطويرها عن طريق وجود نسبة ملائمة من المقاعد بمجلس النواب للقوائم الحزبية، وإلا تتعطل الحياة الديمقراطية ونعود إلى ما كنا فيه من غياب التعددية في مصر. أما الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية والنائب البرلماني السابق، فرأى أن الأحزاب في مصر هي مجرد أصوات إعلامية تجيد الكلام والخطابة دون أي تأثير حقيقي في الشارع المصري، مدللا على ذلك بأنها عاجزة عن حل مشاكلها الداخلية وتطوير وترتيب البيت من الداخل. وأضاف أن فاعلية الأحزاب في الانتخابات السابقة عادت فقط إلى وجود بعض أعضائها ضمن المرشحين في تلك العملية، لافتا إلى أن الدليل الأبرز على غياب دور الأحزاب في التواصل مع المواطنين أنها جميعا لم تستطع دعم أحد أعضائها في الانتخابات الحالية، وجمع التوكيلات المطلوبة له وطرحه كأحد مرشحي الرئاسة. وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن الأحزاب السياسية تفتقد أيضا للتواصل مع العديد من فئات المجتمع، وأن معظمها لا يوجد به لجان فعالة للمرأة أو الأقباط أو ذوي الإعاقة لتوعيتهم بحقوقهم، مؤكدا أن الأحزاب السياسية أضاعت فرصة ثمينة في بناء جسر من التواصل مع المواطنين في الشارع وعن طريقه إمكانية المنافسة بقوة في انتخابات الرئاسة دون الحاجة إلى تذكية الدستور في ذلك الأمر. فيما أوضح الدكتور رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع السابق، أن عدم ظهور الأحزاب بقوة في الانتخابات الحالية يعود إلى أن بعض الأحزاب السياسية كان لها، منذ البداية، رأيا يحتم عليها أن تؤيد مرشحا بعينه، ورأت أن تفتيت الأصوات ليس في المصلحة، لذا لم يكن من الممكن أن ترشح أحدا من أعضائها في الانتخابات الرئاسية.