تتحول الأمور وتتبدل وفق متغيرات تطرأ على الساحة، ظل الرمز الانتخابي كما هو، صورة "النسر"، المحلق الذي يحلم بالحرية، به ما يكفي من بأس وسرعة وذكاء، تمكنه من حكم البلاد لفترة رئاسية، ليحقق صاحبه آماله التنموية التي يحلم بها منذ أن كان شابا؛ الشعار تغير، كان فيما مضى "واحد مننا"، في إشارة واضحة إلى أنه ينتمي لجموع الشعب المصري، فأصبح "هنكمل حلمنا"، في إشارة إلى أن الثورة لابد أن تُستكمل رغم المراحل المتعثرة التي مرت بها، لم تختلف العناصر المتغيرة بين حمدين صباحي 2012، و2014، وما طرأ مجرد تغييرات ليست في المبدأ أو المضمون وإنما في القشور التي تتفق مع رؤية الشعب المصري. "حلال" هي الكلمة التي وصف بها صباحي طريقة جمعه لتوكيلات الانتخابات الرئاسية 2014، قائلا إنه لم يدفع فيها أموالا، كما أن الأبواق الإعلامية الكثيرة التي تعلو دائما تهليلا لمرشح ما أثناء الانتخابات الرئاسية لم تكن في حسبان مؤسس التيار الشعبي، بالإضافة إلى عدم اعتماده على أجهزة الدولة في الترويج لنفسه خلال جمع التوكيلات، حسبما أكد. العديد من العقبات واجهها صباحي خلال رحلة الانتخابات الرئاسية، حيث كان يشاع في كثير من المحافظات أن أمن الدولة يأخذ اسم من يحرر توكيلا لصباحي من داخل الشهر العقاري نفسه، كما صرح هو في أحد لقاءاته التليفزيونية، ولم يستطع أن يجمع إلا ما يعادل 31 ألف توكيل فقط. "الدولة المصرية تمارس دعما منهجيا للمشير السيسي، ولن تكون محايدة في الانتخابات الرئاسية المصرية" هكذا وصف صباحي إحدى العقبات التي واجهته خلال جمع التوكيلات، حيث قال إن ما يؤكد ذلك دعم بعض المحافظين والوزراء للمشير السيسي وإعلانهم ذلك صراحة قبل الانتخابات بفترة قصيرة. لم يشهد جمع توكيلات حمدين صباحي للانتخابات الرئاسية عام 2012، كل تلك العقبات التي شهدتها عام 2014، حيث كانت الساحة أكثر تنوعا مما هي عليه الآن، وجمع صباحي حينها أكثر من 42 ألف توكيل، من خلال جولاته ونشاط حملته المحدود في محافظات مصر المختلفة؛ وعقب النجاح في جمع ضعف العدد المطلوب، احتفلت حملة صباحي الرئاسية بمختلف المحافظات بتكوين سلاسل بشرية وتنظيم مسيرات جابت الشوارع احتفالا بتقدم مرشحهم رسميا للانتخابات المصرية، التي فاز بها محمد مرسي بعد جولة إعادة أمام الفريق أحمد شفيق. الركائز الأساسية لبرنامج صباحي الانتخابي في 2014 وردت في برنامجه الانتخابي 2012، حيث ركز على عبارات "حرية يسودها النظام الديمقراطي"، و"عدالة اجتماعية تحققها التنمية الشاملة"، و"كرامة يحميها الاستقلال الوطني"، بالإضافة إلى بعض المشروعات القومية التي وردت ضمن البرنامجين، مثل مشروع تنمية محور قناة السويس، ومشروع تنمية الصعيد، والنهوض بالخدمات الصحية، والتعليمية، ومشروع زيادة مساحة الأراضي المستصلحة في مصر. وعن الاختلافات التي تفرق بين البرنامجين، فقد حوى البرنامج الانتخابي الحالي فكرة جديدة عن سابقه تتمثل في إيجاد وزارة خاصة بالطاقة المتجددة، والتي اعتبرها صباحي بحسب تصريحات له "قابلة للمناقشة والتنفيذ"، إلى جانب إيجاد مشروع قومي للأشغال، يستهدف إقامة مليون من المشروعات الصغيرة التي توفر فرص عمل للشباب، فضلا عن احتوائه على مشروع قومي لإدارة المخاطر المائية وحل أزمة سد النهضة، إلا أن البرنامج الحالي يحمل تطورات واضحة في معالجة المشروعات القومية المشتركة بين البرنامجين، بحسب تصريحات صحفية لصباحي. فيما خلا برنامج صباحي الانتخابي في هذا العام من بعض الأفكار التي حواها برنامجه الانتخابي في 2012، تتمثل في سعيه لتحالف عربي تركي إيراني تبادر إليه مصر بما يحفظ قدرها ومصالحها ولا يدخلها في معارك فرعية تخدم الغير ضد جيرانها في الجوار، إلى جانب فكرة وقف تصدير الغاز إلى إسرائيل، فضلًا عن دعم المقاومة الفلسطينية وفتح المعابر والمصالحة بين فتح وحماس، حرصا على وحدتهما الوطنية مع بدء تعاون استراتيجي مع تركيا وإيران. ظل حمدين صباحي طوال فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية 2012، يهبط ويرتفع على مستويات قياس الرأي العام، التي أجراها المركز المصري لبحوث الرأي العام، بصيرة، عوامل كثرة أثرت على نسبة مؤيديه في استطلاعات الرأي، تمثل أبرزها في وجود مرشح الإخوان من عدمه، ومرشح التيار الإسلامي مثل حازم أبوإسماعيل، ثم خروجه من السباق الرئاسي، واحتمالية خوض أحمد شفيق أم لا، نظرا لسن قانون العزل السياسي، فكانت نسبة مؤيديه في أول استطلاع رأي نحو 5% وذلك في شهر مارس، وفي آخر استطلاع أجراه المركز ارتفعت تلك النسبة لتصل إلى 9.5% في مايو 2012. الدكتور حسن أبوطالب، أستاذ العلوم السياسية، قال إن أداء المرشح الرئاسي حمدين صباحي، منذ بداية سباق الانتخابات الرئاسية 2014، رفع معدل الراغبين في انتخابه إلى نسبة أعلى مما كانت عليه قبل بداية حملته الانتخابية، موضحا أن استطلاعات الرأي التي تحُط من نسبة مؤيدي صباحي هي استطلاعات خبيثة تهدف لتشويهه والتأثير على مؤيديه، ولا يمكن التعامل معها باعتبارات الدقة والمصداقية، لافتا إلى أن العديد من استطلاعات الرأي التي يتم إجراءها في مصر لا تخضع للمعايير الموضوعية في التفاعل مع المواطنين، وقد يستخدم في بعضها نوعا من التلاعب لإظهار شيء بعينه. وأضاف "أبوطالب" أن صعود نجم صباحي في الفترة الأخيرة، لا يعني إمكانية تعديه نسبة ال50% من نسبة المنتخبين وتحقيقه ذات المفاجأة السابقة، بكونه الحصان الأسود، لاختلاف الأجواء الانتخابية الحالية تماما عن سابقتها، خاصة أن المصريين يتعاملون مع السيسي على أنه بطل شعبي تحتاجه المرحلة الحالية، في حين كانت البيئة السياسية في 2012 لا تزال متأثرة بالتغيير الحاد الذي أحدثته الثورة والرغبة في قلب هذه الأمور، والصراع بين القديم والجديد، والتحول المزاجي المستمر للشعب المصري، آنذاك، وهو ما أدى لحدوث مفاجأة "صباحي".