أثارت الكارثة التي وقعت في منجم سوما في تركيا، موجة جديدة من الغضب على رئيس الوزراء الإسلامي المحافظ رجب طيب أردوغان قبل الانتخابات الرئاسية، في حين تتواصل الجهود لانتشال جثث العمال من المنجم المنكوب. وسرعان ما تحولت مشاعر الحزن على مصرع حوالي 300 عامل مناجم، إلى غضب على رئيس الوزراء الذي يتوقع أن يعلن خلال الأسابيع المقبلة ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة في العاشر من أغسطس. وارتفعت الحصيلة الرسمية، مساء أمس، إلى 292 قتيلاً بعد العثور على 8 جثث تحت الأرض، حيث يعتقد أن حوالي 10 جثث أخرى لا تزال مطمورة ولم يعثر عليها بعد، كما أعلن وزير الطاقة تانير يلديز. وبعد ظهر أمس، أطلقت الشرطة التركية قنابل الغاز المسيلة للدموع والرصاص المطاطي؛ لتفريق حوالي 10 آلاف متظاهر في موقع الكارثة المنجمية في سوما غرب تركيا، كما أفادت مراسلة لوكالة فرانس برس. وقبل أن تتدخل الشرطة بقوة في المدينة المنجمية الواقعة على مقربة من منجم الفحم، حيث وقع الحادث الثلاثاء الماضي، رفض المتظاهرون الغاضبون التفرق على الرغم من الدعوات التي وجهتها الشرطة، وكانوا يهتفون مطالبين ب"استقالة الحكومة" أو أيضًا "لن تهدأ سومي، ولن تنسى عمال المنجم". ومنذ الحادث الذي وقع في منجم الفحم في سوما غرب تركيا خرج آلاف الأتراك إلى الشوارع، معربين عن استيائهم من الحكومة التي تتعرض لانتقادات والمتهمة بالإهمال وعدم الاكتراث بمصير العمال بشكل عام. وحاولت السلطات التي اهتزت بحركة تعبئة شعبية غير مسبوقة، في حركة احتجاج دامت ثلاثة أسابيع في مختلف أنحاء تركيا خلال صيف 2013، تهدئة الخواطر واعدة ب"إلقاء الضوء" على أسوأ كارثة صناعية في تاريخ البلاد. ووعد أردوغان، الذي توجه إلى مكان الحادث، الأربعاء الماضي، بتحقيق معمق، لكنه ركز أيضًا على أن الحادث عرضي، وذكر أمثلة لحوادث وقعت في فرنسا بداية القرن الماضي، ما زاد في تأجيج غضب الشعب. وقال أردوغان قبل أن يقابله سكان المنطقة بهتافات استهجان، رغم الانتشار الأمني الكبير المحيط به، إن الحوادث جزء من طبيعة المناجم. وعنونت صحيفة "سوزكو" المعارضة، أمس، "رئيس الوزراء صفع مواطنًا"، وزاد في إثارة الجدل أحد مساعديه الذي ركل متظاهرًا آخر طرحه أرضًا شرطيون مدججون بالسلاح، وأثارت صورة المساعد صدمة في البلاد واستنكارًا في تركيا التي لا تزال تعيش حالة حداد. ووضعت الشرطة في حالة استنفار في كافة أنحاء تركيا منذ الحادث، وتقمع بشدة كل تجمع كما كان الحال، الخميس الماضي، في أزمير غرب وأسطنبول، ما أسفر عن سقوط عشرة جرحى على الأقل وفق وسائل الإعلام. وفرقت شرطة مكافحة الشغب بالقنابل المسيلة للدموع، مسيرات مناضلين نقابيين مضربين عن العمل في عدة مدن بما فيها أنقرة، بينما ترددت في كل مكان الشعارات نفسها ضد النظام مطالبة ب"استقالة الحكومة". ويركز معارضو أردوغان على التقصير في المراقبة في مكان العمل، من طرف السلطات العامة، وخصوصًا في قطاع المناجم، ورغم عدة أشهر من فضائح الفساد التي طالته هو شخصيًا والنظام وأضعفته في ديسمبر الماضي، خرج أردوغان معززًا من الانتخابات البلدية التي فاز بها حزبه، حزب العدالة والتنمية في الثلاثين من مارس الماضي. ولا شك في أن الرجل القوي وصاحب الشخصية القوية سيترشح إلى الانتخابات الرئاسية، التي يعتبر الأوفر حظًا للفوز بها وفق المراقبين. وفي مكان الحادث ما زال حوالي 500 من رجال الإغاثة يعملون على انتشال الجثث من المنجم. وقال أكين تشيليك، مدير الاستثمار في شركة سوما كومور ايسليتميليري ايه اس، في مؤتمر صحفي في سوما: "لم نرتكب أي إهمال في هذا الحادث"، مرجحًا أن يكون انفجار غبار الفحم سبب الحادث. من جهته، أشار رئيس مجلس إدارة الشركة الب غوركان، إلى "فاجعة كبيرة"، مؤكدًا أن المنجم يحترم كافة معايير السلامة. وتتهم الصحافة غوركان، الذي يبدو أنه مقرب من الحزب الحاكم، منذ وقوع الحادث بأنه يعطي الأولية للأرباح على حساب سلامة عمال المنجم. وفي 2012 قال رجل الأعمال في حديث لصحيفة تركية، أنه نجح في خفض تكاليف الإنتاج إلى 24 دولارًا للطن مقابل 130 قبل تخصيص المنجم. وتشهد المناجم في تركيا استمرار انفجارات، ولا سيما في مناجم القطاع الخاص حيث لا تحترم قواعد السلامة في أغلب الأحيان، والحادث الأكثر خطورة وقع في 1992عندما قضى 263 عاملاً في انفجار للغاز في منجم زونغولداك (شمال). وأجرى الرئيس الأمريكي باراك أوباما اتصالاً هاتفيًا بنظيره التركي عبدالله غول، وقال إنه "يشاطر آلام الشعب التركي"، كما قالت الرئاسة التركية.