«أنت الذى لما رفعت إلى السما/ بك قد سمت وتزينت لسراك.. وبك المسيح أتى بشيرا مخبرا/ بصفات حسنك مادحا لعلاك»، كلمات الإمام أبى حنيفة فى مدح خير خلق الرحمن كلهم، من صلى عليه الله وملائكته، وبنوره البدر اكتسى و«الشمس مشرقة بنور بهاك»، من أحبه الحجر والشجر والدواب قبل البشر، من خصه العظيم بالشفاعة، ونزع عن قلبه المضغة السوداء، من بكى لفراقه جزع شجرة كان يقف فوقه إماما هاديا ومعلما ورسولا، وخيّره ربه بين الحياة ولقائه فاختار القرب من مولاه، يأتى اليوم الذى يساء إلى سيرته العطرة، من عدد من الغلاة، اتخذوا موقعهم فى «أقباط المهجر» -من يسمون أنفسهم بأتباع «عيسى» عليه السلام رفيق الرسول فى رحلته إلى السماء- بفيلم مسىء، عن حياته يبدأونه بلفظ تعف الألسن عن ذكره يناديه أحد «مجرمى الفيلم» ب«ابن أبيه»، ويصورون حياته الزوجية بشكل فج، وينهون فيلمهم برجل لوثت الدماء ملابسه وقد أمسك بيمينه سيفا، كل هذا تحت شعار «حرية إبداع» وإن كان الفعل الحقيقى هو «سب الرسول محمد» والذى قيل فى مدحه «قصدوك وامتدحوا ودونى أغلقت/ أبواب مدحك فالحروف عقامُ». تاريخ التعدى على الرسول لفظا ورسما ليس جديدا، بدأ تقريبا بعد أحداث 11 سبتمبر، بدأت الحملة بكتاب «نبى الخراب» للمؤلف كريك ونن الذى وصف الرسول الكريم بقاطع طريق استعمل، حسب زعمه، البطش والاغتيالات والخداع للوصول إلى السلطة المطلقة ووصفه بالشذوذ، مؤلف الكتاب رجل أعمال وملياردير جمع ثروته من خلال تسويق وبيع المنتجات عن طريق الإنترنت، لم يلبث أن تحول الأمر إلى مضغة يلوكونها لإثارة المسلمين، كلما شاءوا أن يستفزوهم، خرجوا عليهم بكتاب أو رسوم أو مقالات وأفلام تحمل إساءات لا إبداعات.. كانت الصدمة فى سبتمبر 2005 حين أقامت صحيفة دنماركية مشهورة (يلاندز بوستن) مسابقة لرسوم كاريكاتير للنبى محمد واختارت الصحفية 12 رسمة من الرسوم المرسلة تحمل كلها استهزاء وسخرية من النبى، تظهره إحداها مرتديا عمامة وفى نهايتها فتيل قنبلة فى تلميح إلى أن الإسلام يحمل العنف والقتل. وقبل أعوام صدر كتيب «محمد صدق وإلا»، مكون من 26 صفحة يطرح الحديث والسنة النبوية بصورة مهينة علاوة على الرسومات التى تظهر النبى محمد بصورة مسيئة بهدف إقناع السود الأمريكيين بعدم التحول إلى منظمة «أمة الإسلام».. الغريب أن ردود الفعل لم تتجاوز يوما «الشجب والتنديد من قبل الأنظمة العربية والإسلامية»، واكتفى المسلمون بالدعاء لنبيهم والدعاء على مثيرى الفتنة من مهاجميه المسيئين له، علاوة على بعض المبادرات الذاتية مثل حملات المقاطعة لمنتجات الدول المسيئة والمطالبة الشعبية باعتذار رؤساء هذه الدول، ورغم هذا تكرر نشر الرسوم المسيئة وتكررت المقاطعات، ولم تفلح المحاولات الرسمية والدبلوماسية والشعبية فى وقف الهجوم المستمر على النبى محمد. المسألة تحتاج لموقف رسمى يعبر عن غضب المسلمين ودولهم، حسب تأكيد د.محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق الذى قال: على الدولة المصرية وجميع الأقطار الإسلامية أن تقف موقفا شجاعا تجاه تلك السخافات حتى لا يتم تكرارها، ويقول «عاشور» إن تاريخ الإساءة للرسول بدأ منذ نشر دعوته حين اتهموه بالسحر وحاولوا قتله إلا أنهم لم ينالوا منه، وكذلك لن ينال بعض من سمّاهم وكيل الأزهر الأسبق «شوية عيال»، بإساءتهم لخير من وطئت قدماه الأرض، ويستغرب أنه فى الوقت الذى ينادى فيه الجميع بخطورة تجسيد الأنبياء يأتى من يسفه من ديننا ورمزه محذرا من التوابع التى تسببها تلك «القاذورات» فى النفوس مما قد يشعل فتنا، قبل أن يؤكد أن ذلك لم ينل من عظمة وجلال الرسول الكريم، ويوجه نداءه إلى أصحاب العقول بعدم التعدى على الأنبياء مذكرا إياهم بأن الدين الإسلامى يوقر جميع رسل الله ويصلى ويسلم على سيرتهم العطرة، فيما يطالب المسلمين برفض تلك الأفلام ولفظها وعدم الالتفات لمن شارك فيها فالرسول أعلى وأجل من أن تجتزئ من قدره مشاهد مسيئة.