يقول المثل الشعبى: «اللى اتلسع من الشوربة، ينفخ فى الزبادى».. ولكن الكارثة تكون ب«ألا ينفخ فى الزبادى» من لا يزال يعانى من لسعة الشوربة الحارقة، ومن «يُلدغ من الجحر» أكثر من مرة لا سيما إذا ما كانت التجارب المريرة ليست ببعيدة، وأعنى أن السطو على ثورة يناير، ثم تكريس هذا السطو بوصول جماعة الإخوان إلى حكم مصر لمدة عام، كان كفيلاً بدق ناقوس الخطر الداهم، والمتمثل فى تقزيم مصر إلى مجرد ولاية فى دولة الخلافة المزعومة. يدّعى الآن بعض من ساهموا إسهاماً كبيراً فى هذا الكابوس أنه أدى إلى «كشف!» الجماعة ومدى متاجرتها بالدين، كما تؤكد ممارساتها الإرهابية التى تعانى منها البلاد، خاصة كل يوم جمعة، وعقب الصلاة، وكأنهم «مكلفون!» بالربط بين صلاة الجمعة والدماء التى يهدرونها فى هذا التوقيت تحديداً.. والرد على هؤلاء شديد البساطة، وهو أنهم، بالتأكيد، ليسوا «بصارين»، حيث إنهم ادعوا أن حكم مرسى هو التعبير الصادق عن «الديمقراطية»! على الجانب الآخر، كان معارضو سياسة الإخوان وشعاراتهم الدالة على مكانة الوطن فى مفهومهم، مثل «ما الوطن إلا حفنة من التراب العفن» و«طظ فى مصر واللى فى مصر» و«أنا ما يهمنيش إن واحد ماليزى يحكمنى ما دام مسلماً؟!» قد «شدوا» لحاف الطمأنينة على أن الفريق أحمد شفيق، ناجح، ناجح، واسترخوا على الشواطئ، ينعمون بالهدوء والسكينة، والبقية معروفة، ولمن يقول لى: إن لجوء الإخوان إلى التزوير كان حاسماً، فإن ردى هو تحديداً دافعى إلى كتابة هذه الكلمات اليوم.. وهو: لو أنكم نزلتم إلى صناديق الانتخابات بأعداد كبيرة، ما تمكنت قوة فى العالم من تزوير إرادتكم!! ونحن نعيش أجواء مشابهة مع اختلاف جذرى من حيث طبيعة كل من المرشحين الرئاسيين، التى يستحيل مقارنتها بشخصية مرشد الجماعة الذى كان محمد مرسى مجرد واجهة له.. ولكن وجه الشبه يكمن فى «اطمئنان!؟» المتطلعين إلى أن يقود عبدالفتاح السيسى سفينة الوطن فى هذا الظرف التاريخى الذى لم يسبق له نظير فى تاريخ المحروسة، والذى كان السيسى مبعوث العناية الإلهية ومعبراً عن شعب مصر، بجيشه وشرطته وكل مؤسساته، فى إنقاذها من براثن أكثر المخططات المعادية شراً وخبثاً، لا سيما باستخدام «الدين الإسلامى» أسوأ استخدام.. فأنت بالتأكيد «مجنون» إذا تصورت، ولو للحظة، أن فوز السيسى الساحق قابل للنقاش، فما بالك بالتشكيك؟! الرد جاهز وحاسم!! «السيسى رئيسى» سواء ذهبت إلى الصندوق أو لم أذهب!! أعتقد أن انتشار هذه المقولة انتشاراً واسعاً والإبقاء عليها، بكافة السبل والوسائل، لتشجيع البسطاء وأيضاً من يظنون فى قدرتهم، الفائقة؟، على استشراف المستقبل، على ضوء شعبية السيسى، على الاسترخاء والكسل، و«توفير» تعبهم «لأن السيسى ناجح، ناجح» أسلوب جدير بالنقد والتحذير من تداعياته. من جهة ثانية، من المهم بمكان، أن يعرف كل من يحجم أو يتهاون فى أداء واجبه بالتصويت لانتخاب الرئيس المقبل لمصر، أنه لا يحق له بالتالى محاسبة هذا الرئيس لأن العلاقة بين من سيتولى قيادة سفينة الوطن فى المرحلة الحالية، سوف تكون محكومة ب«العقد» المبرم بينه وبين «ناخبيه»، فمن حق هؤلاء مطالبته بتنفيذ كل ما تعهد به، والذى على أساسه تم انتخابه، أما من تقاعس وقاطع فليس من حقه حتى مجرد المعارضة التى ستكون من مهام أنصار المرشح الآخر.. فلا يُعقل أن يطالب أحد بحق دون أن يؤدى واجبه.. إن نزولنا، وبعشرات الملايين إلى الصناديق، فى الانتخابات الرئاسية التى تفصلنا عنها أيام معدودة، لن تقتصر آثاره على الداخل وطموحات الناس التى عبرت عنها ثورتا يناير ويونيو فحسب، بل ستقف كذلك فى وجه كل محاولات التشويه والأكاذيب التى لا يكف أعداء الوطن وعملاؤهم عن ترويجها بإنكار الثورة على «حكم» دام سنة، لكن سيظل مصدراً للبحث والتحليل، ربما لمئات السنين.. صوتك أمانة، إذا لم تقدّر قيمته، أو كتمته فلا تلومنّ إلا نفسك.