ارتبط اسم غاز ثاني أكسيد الكربون بالتغير المناخي علي سطح الأرض، وهو واقع لايمكن إغفاله. المعروف أن غاز ثاني أكسيد الكربون ثقيل الوزن مقارنة بمكونات الغلاف الجوي الأساسية وهي النيتروجين والأوكسيجين. لذلك يتركز هذا الغاز بالقرب من سطح الأرض لثقله، مما يزيد من كثافة الهواء وبالتالي يزيد من زاوية إنكسار أشعة الشمس والأشعة الكونية فلا ترتد ولكن يتم تخزينها، وهذا بالتالي يؤدي إلى إرتفاع درجة الحرارة. بيد أن للمشكلة جوانب عديدة يجب أن نُلم بأطرافها، وبصورة صحيحة. فغاز ثاني أكسيد الكربون هو منتج لعمليات التنفس لكل الأحياء، ولكن لم يكن التنفس سبب مباشر أو حتي غير مباشر في زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. بل يمكن القول أن عمليات التمثيل الغذائي للنباتات تؤدي إلي تخليق الأوكسيجين علي حساب ثاني أكسيد الكربون. ولكن، إحصائيا، تأتي محطات توليد الكهرباء في المقام الأول من حيث إنتاج غاز ثاني أكسيد الكربون ثم تليها الصناعة وعلي رأسها صناعة الأسمنت، ثم وسائل النقل. كمتوسط حسابى علي مستوي كوكب الأرض، يُنتج كل إنسان حوالي 4 طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، سنوياً. بالطبع، هذا ليس ماينتجة الفرد بالتنفس، ولكن إجمالي ما ينتجه أثناء حياتة اليومية من وسائل نقل وإستهلاك للطاقة ومواد خام وكل ما يحتاجه الإنسان في حياتة اليومية ويتسبب في أنتاج الغاز. لو أن سكان الأرض اليوم 7 بليون فرد، يصبح ما ينتجة الإنسان حوالي 28 بليون طن ثاني أكسيد الكربون سنوياً. ولكن بالتدقيق في معدلات إنتاج ثاني أكسيد الكربون نجد أن الفرد الأمريكي ينتج حوالي 25 ضعف الفرد الهندي. ويمكن القول أن متوسط إنتاج الغاز يرتبط بصورة مؤكدة بالتقدم التكنولوجي ومعدل الرفاهية. ولكن، حيث أن الكوكب يمر الأن بمرحلة الإنفجار السكاني، والذي نستشعره بوضوح في مصر حتي أن تعداد سكان المحروسة أصبح قاب قوسين أو أدني من مستوي المائة مليون. لو أضفنا أن الوعي ومتطلبات الشعوب، حتي الفقيرة منها، هي في زيادة مستمرة، فعلينا أن نتوقع إرتفاع هائل في محتوي ثاني أكسيد الكربون خلال القرن الحالي، بل يمكن القول خلال العقد القادم. ذلك يشير إلي أحتباس حراري أكبر، وما يستتبعة من ذوبان الجليد في القطبين، وأرتفاع سطح البحر إلي المستوي الذي قد يهدد بالإغراق لمناطق كثيرة في العالم، من بينها شمال دلتا النيل. قامت المحيطات، خلال القرنين الماضيين، بدور مشكور في السيطرة علي زيادة تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، حيث كانت مياه المحيط تمتص نسبة غير قليلة مما يُنتج من الغاز. لكن قدرة مياه المحيط علي إمتصاص الغاز تقل تدريجيا نظراً لتشبع الماء بالغاز، وبذلك قلت بوضوح قدرة المحيط علي إصلاح ما يفسده الإنسان، حتي أن هاجس تحول مياه المحيط إلي الحمضية يساور الكثير من العلماء، وهو الأمر الذي يهدد بدمار هائل وشامل للكوكب إجمالاً. كان من الضروري أن يقرر العالم معاهدات تحاول الحد من إنبعاثات الغاز. أجتمعت في كيوتو باليابان عدد 160 دولة لتقرر في إتفاقية تاريخية للحد من إنبعاثات الغاز. لكن حيث أن هذا الغاز هو منتج لتشغيل المصانع والطاقة، أي أنه منتج ثانوي ضار للتقدم الإقتصادي وزيادة دخل الفرد، فتحولت الإتفاقية إلي أماني ورغبات أكثر منها قيود وقوانين ملزمة. وأصبح الحفاظ علي مستوي الغاز عند مستوي عام 1995 أصبح أمنية بعيدة المنال، والإرتفاع في منسوب الغاز يسير بمعدلات تدعو للإنتباه. تثار هذه الأيام مناقشات حادة حول إمكانية إستخدام الفحم في إنتاج الطاقة وفي صناعة الأسمنت، وهما الأكثر إنتاجاً للغاز. تقف وزارة البيئة، وعلي رأسها الوزيرة النشيطة والعالية الثقافة، معارضة لإستخدام الفحم علي أعتبار أنه مصدر غير نظيف للطاقة. ولكن يقف في الإتجاه المعاكس مدافعون عن حق مصر في إستخدام الفحم لكونه مصدر رخيص للطاقة وأن حتي الدول المتقدمة وعلي رأسها المانيا والصين وغيرهما، تعتمد علي الفحم كمصدر رئيسى لإنتاج الطاقة وأيضا في صناعة الأسمنت. وبالطبع نحن لسنا أغني من المانيا ولا أكثر حرصا للحفاظ علي البيئة. الجانب الأهم أن تقنيات حرق الفحم أصبحت أكثر كفاءة من أي وقت مضي، وأن حرق الفحم بهذه التقنيات الحديثة ينتج من الغاز مايماثل حرق الوقود النفطي. المقدمات السابقة تشير كلها إلي المسئولية المباشرة للإنسان في إنتاج ثاني أكسيد الكربون، ولكن هل هذا يعني ضمناً، أن ألارض قبل أن يهبط إليها الإنسان لم تتعرض لعمليت الإحتباس الحراري. تشير الحقائق العلمية إلي أنه منذ أن ظهرت الحياة علي الأرض منذ حوالي 570 مليون سنة، لم ينقطع التغير المناخي علي طول هذا التاريخ الطويل.مرت الأرض بفترات جليدية وفترات أحتباس حراري بصور متتالية ومتكررة، وأرتفع مستوي سطح البحر وأنخفض بصورة متكررة عبر هذا التاريخ. ففي أحد الأزمنة منذ 60 مليون سنة وعند نهاية العصر الطباشيري أرتفع سطح البحر حوالي 250 متر عن المستوي الحالي. حتي أن ساحل البحر، الذي تعرف بقاياه الأن باسم البحر المتوسط، كان عند مدينة الخرطوم. بالطبع لم يكن الإنسان موجودا لنحملة مسئولية التغير المناخي، لأن عمر الإنسان لايزيد عن عدة ملايين من السنين، في أحس تقدير. إذا كانت هناك آليات أخري هي التي تسببت في التغير المناخي في الأزمنة الجيولوجية. ولعل الأهم فيما بينها هي ظهور سلاسل جبال بفعل زحزحة القارات، أو ما يعرف علمياً باسم تكتونية الألواح. نأتي بمثال مبسط لشرح ما سبق: البحر الأحمر ظهر في بدايته كشرخ دقيق علي سطح الأرض، ثم إزداد عمقا، واتسع علي الجانبين، دافعا الصخور علي جانبية، حتي يتسع. نتيجة لهذا نشأت الجبال علي جانبية في الجزيرة العربية في الشرق ومصر والسودان في الغرب. صعود الجبال بهذا الشكل يتسبب في خلق أسطح للتجوية (أي تحلل الصخور بفعل مكونات الهواء وعلي رأسها ثاني أكسيد الكربون)، مما يؤدي إلي نقص الغاز في الهواء والدخول في موجات باردة. العكس يحدث عندما تزدهر الحياة علي سطح الكوكب، ثم تحدث حرائق هائلة تزيد من محتوي الغاز في الهواء، أو عندما تنشط البركين في أغلب مناطق الأرض، وتحجب الأدخنة والرماد البركاني أشعة الشمس لتدخل الأرض في فترات جليدية. مثل هذه الآليات كانت هي الفاعلة والمؤثرة منذ أن ظهرت الحياة علي الأرض، ولم يكن الإنسان، بكل تأكيد، قد هبط إليها بعد. هل من الممكن أن يحمل القانون الأشهر في علوم الجيولوجيا، والذي ينص علي أن "الحاضر هو مفتاح الماضي" حلاً لمشكلة تزايد نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون؟ بمعني أن نقلل الحرق ونعمد إلي زيادة معدلات التجوية. ولكن هذه الحلول تبدو نظرية أو حتي عالية التكلفة وبطيئة الفعل. لذلك تقدم العالم الصناعي بحلول غير تقليدية كان من بينها تخزين غاز ثاني أكسيد الكربون، والذي تمت أولي محاولاتة في المانيا عام 2008. لكن لهذ الموضوع جوانب كثير تستحق الذكر، وهذا ما سوف أعرضة في المقال القادم.