رنة «صاجاته» التى تدوى فى ميدان السيدة عائشة منذ 22 عاماً، يميزها الصغير قبل الكبير، ابتسامته الصافية تنم عن طيبة ونقاء قلبه، بشرته ناصعة البياض شديدة الاحمرار بسبب قسوة حرارة الشمس، لا تنم عن جذوره الصعيدية الأصل. صابر رزق، بائع العرقسوس، خفة ظله وابتسامته قادرتان على انجذاب الزبائن إليه: «أنا ببيع العرقسوس فى ميدان السيدة عائشة بقى لى 22 سنة، الصغير قبل الكبير هنا فى المنطقة عارفنى، وييجى يشترى منى». لم يمنع «صابر» كبر سنه من الاستمرار فى مهنته فهى مصدر رزقه الوحيد، ظل خلالها يحمل إبريق العرقسوس الزجاجى على كتفه، وهو ما تسبب فى انحناءة بسيطة فى عموده الفقرى تترتب عليها آلام يكاد يتحملها بالكاد مردداً: «شعرى شاب فى الشغلانة وضهرى انحنى، علشان لقمة عيشى، معنديش حتة أرض فى البلد ولا حيلتى حاجة». يضع «صابر» بينه وبين إبريق العرقسوس الذى يحمله مخدة لتحميه من الإصابة بالبرد: «بيجيلى برد كتير فى معدتى وفى جنبى، لأن العرقسوس بيكون بارد، علشان كده بحط مخدة على بطنى». معاناة «صابر» فى مهنته تجعله أحياناً كثيرة يفكر فى تركها، لكن صورة أسرته التى تركها فى سوهاج تجعله دائماً يتحمل آلامه من أجل توفير لقمة العيش لهم: «عندى تعب فى العمود الفقرى، والتهابات فى المفاصل، أنا طول النهار ماشى فى الشوارع وبلف، عايش هنا لوحدى، وأسرتى سايبها فى سوهاج مقدرش أخليهم يعيشوا هنا الحالة غالية، مقدرش على إيجار شقة هنا». ويستطرد «صابر» حديثه قائلاً: «أنا هنا ساكن تبع الراجل اللى مسرحنا هنا، عدته والبضاعة بتاعته». يشير «صابر» إلى أحد زملائه من بائعى العصير من «البرتقال والتمر» لكنه يعمل على عربة: «ده زميلى متسرح زيى، وتبع الراجل اللى باشتغل معاه برضه». يحاول «صابر» أن يقف عكس اتجاه الشمس، حيث يضع «كاب» على رأسه ليحميه من حرارة الشمس، لكن بلا جدوى، بياض وجهه مختلط باحمرار شديد، لسيره فى الشوارع لعدة ساعات، حيث يبدأ عمله من الساعة الثامنة صباحاً، وينتهى عند أذان المغرب: «شغلى بياع وبس، إنما اللى بيحضروا العرقسوس ناس غيرى، تبع الراجل اللى بيسرحنا». الموسم الحقيقى لصابر هو فصل الصيف، إنما برودة الجو فى الشتاء لا تجعل هناك إقبالاً على شراء العرقسوس: «الحال بيقف فى الشتا شوية، محدش بيشرب فى الجو الساقع، الشغل كله بيبقى فى الصيف». يضيف الرجل متنهداً، واضعاً يديه على رأسه المصاب بصداع من شدة الإرهاق: «مفروض أسافر كل 40 يوم، ساعات كتيرة مبقدرش أنزل، لو ربنا ما رزقنيش بفلوس كويسة، اليومية على حسب الشغل اللى باعمله». قبل ثورة 25 يناير، يرى «صابر» أن الوضع كان أفضل، لأن الأمن كان يسيطر على الميدان بشكل أفضل، ويمنع البلطجية من إحداث أى شغب فى المنطقة: «الأول كان الأمن مسيطر على البلطجية، ومحدش يقدر يعملك حاجة، إنما دلوقتى لو بلطجى وقفنى وخد كل الفلوس اللى معايا مقدرش أتكلم»، ويضيف أن البلطجية أصبحوا مسيطرين على الميدان بدرجة كبيرة. كل ما يتمناه «صابر» خلال المرحلة المقبلة، أن توفر الحكومة ل«الأرزقية» معاشاً يساعدهم على المعيشة: «نفسى لما أموت مراتى تلاقى أى قرش يساعدها شوية على العيشة، إنما أنا أرزقى لو تعبت يوم، مش هجيب فلوس». يضع يده فى جيبه: «كل اللى فى جيبى عشرة جنيه، بس الحمد لله ربنا اللى بيرزق».