طفل، عمره 14 عاماً، لم يعش طفولته كبقية أقرانه، يستيقظ فى السابعة صباحاً لا ليذهب إلى المدرسة، وإنما ليتجه إلى العم «جمعة»، بائع الثلج.. يستيقظ «أدهم» ليهرول لخزانة ملابسه، يحاول ارتداء ملابس ثقيلة تقيه مياه الثلج التى تبلله وتصيبه فى الأغلب بنزلات برد، ربما يجلس على أثرها فى المنزل لأيام. يجهز «أدهم» شيالته الحديدية لكى يستقبل عليها الألواح الثلجية من «العم جمعة»، ويبدأ رحلته اليومية بتوزيع الألواح على محال العصير داخل ميدان المطرية، يقول: «كل يوم بعدى على عم جمعة الصبح آخد منه التلج وأروح أوزعه على محلات العصير.. هو فى الشغل بيعاملنى كويس الحمد لله، بس لما كسرت عجلة الشيالة قالى هتدفع تمنها، والحمد لله إنه نسى ومخدش منى فلوس». يستمر «أدهم» فى عمله حتى أوقات خروج زملائه من المدرسة، يقابلهم فى طريقه إلى العمل يقفون معه للحظات يسألهم خلالها عن أحوال المدرسة التى تركها بسبب عدم قدرته المادية على استيفاء حاجاتها من المصاريف والأدوات المدرسية، يوجه حديثه إلى زميله أحمد: «ما تخليك جدع يا أحمد وشيل معايا لوح تلج من دول نوديهم لمحل العصير»، كان رد أحمد وهو ينظر إلى ملابس أدهم المبتلة: «معلش عشان لبس المدرسة يا أدهم ومش هعرف أشيل زيك». لم يظهر «أدهم» حزنه وكادت عيناه تدمع لوضعه الذى فرضته عليه ظروف الحياة الصعبة، وقال لزميله: «خلاص مفيش مشكلة خليك واقف بس جنب التلج وخلى بالك من الشيالة وأنا هخلص على طول». يحمل «أدهم» لوح الثلج على كتفيه ليدخله لصاحب المحل ويعود مرة أخرى ليأخذ اللوح الآخر، فى الوقت الذى تتساقط فيه المياه الباردة على ملابسه الخفيفة وعلى صدره، ويعصر ملابسه من المياه: «كان عندى برد والحمد لله راح، عشان كده نزلت أشتغل النهارده، لأن بابا عنده دوالى مش بيعرف يمشى بسببها.. وماما شغالة فى البيوت ومبحبش أقول إنها شغالة فى البيوت، وهاخليها تقعد إن شاء الله لما يكون معايا فلوس». يقف الطفل مبتسماً ابتسامة بريئة، لم يقدر تعب العمل على سلبه منها، كما لو أنه يريد التحدث باستفاضة عما يشعر به من كل شىء فى الحياة، يطقطق أصابعه، لا يعرف من أين يبدأ حديثه عن أمه التى يشعر بالمسئولية تجاهها، مردداً: أمى «كانت عاملة فى الإذاعة والتليفزيون، مكانتش بتشتغل فى البيوت، بس بعد الثورة الدنيا غليت والإيجار زاد علينا، وكمان فيه أقساط المفروض ندفعها فى حاجات كتير.. نقلنا من مكانا القديم فى المسلة وجينا شارع العقاد فى أوضة على قدنا». يتنهد الصغير وينظر إلى السماء، «نفسى السيسى هو اللى يبقى رئيس، الناس بتقول إنه راجل كويس وكل الناس بتحبه.. بس لو بقى رئيس يا ريت ياخد باله من الناس الغلابة اللى زينا».