على إحدى المعديات التى تقع على طول ترعة الإسماعيلية، وهى معدية الدلتا، وبالتحديد بالقرب من منطقة السواح، تقبع ثلاثة قوارب صغيرة يسكنها ثلاثة أشقاء بأسرهم، على أحدها تعد إحدى الزوجات الطعام بأبسط أدوات الطبخ: «إناء ووابور وأنبوبة غاز صغيرة الحجم»، بابتسامة صافية على وجهها تدل على الرضا بكل حال: «أصلهم نفسهم ياكلوا كرشة النهارده». أحمد لطفى، صياد عشرينى العمر، ورث هو وإخوته الستة مهنتهم عن والدهم، يسكنون بجزيرة الوراق، لكنهم يتنقلون مع أسرهم ليمكثوا فى القارب بضع ليالٍ للصيد: «بقعد فى المركب من 3 ليالى ل5، على حسب الرزق، ولو كسبت فى يوم بدفع اللى كسبته وزيادة تانى عشان أشترى لوازم الصيد». ويضيف «لطفى» متنهداً مقطب الجبين: «حتى بياعين الشباك ما بقوش يرحموا، بيزودوا أسعارها من بعد الثورة؛ لأن مفيش رقابة عليهم وإحنا مضطرين نشترى منهم علشان لقمة عيشنا». صوت بكاء طفلته الرضيعة «حبيبة» جاء قاطعاً لكلامه، يشير إلى زوجته بإحضارها من أسفل جزء مغطى من القارب، ملتحفة ببطانية لحمايتها من البرد القارس: «كل اللى بتمناه من ربنا أوفر عيشة كويسة، طفلة زى دى تعيش فى جو برد زى ده إزاى؟!». «لطفى» وأشقاؤه الستة يقطنون شقة واحدة مقامة على أرض هى ملك لهم، مردداً: «لولا الأربع حيطان دول، كان زمانّا عايشين فى الشارع، إحنا وولادنا، للأسف أنا واخواتى مش قادرين على استكمال بناء المنزل وأن تستقل كل أسرة عن الأخرى، من بعد الثورة حالنا واقف، كنا بنكسب مية دلوقتى مش لاقيين جنيه». ويستطرد «لطفى» فى حديثه عن الثروة السمكية التى وصلت لحال لا يرثى له، بحسب وصفه: «الحكومة كل سنة بترمى فى الميه سمك، السنة دى ما عملتش كده، والسنة اللى فاتت أيام مرسى مات كمية كبيرة من السمك واتهموا الصيادين إنهم هما اللى سموا السمك». اتهام الصيادين بتسميم السمك جعل «لطفى» يطلق تساؤلاته التى صاحبتها تعبيرات الدهشة على وجهه: «طب إزاى هنسمه وهو مصدر رزقنا وبيجيب لنا لقمة عيش ولادنا؟». السياسة بالنسبة ل«لطفى» قضت عليه وعلى غيره من الفقراء. «الصياد ما حدش شايفه من أيام جمال عبدالناصر وما حدش فكر إن يكون للصياد ده شهرية. «إحنا عاوزين الرئيس اللى يمسك البلد يحكم بالعدل؛ لأن العدل أساس الملك، لو اهتموا بالفقراء شوية ما حدش هيمد إيده، للأسف السياسة قضت على الفقراء بدلاً من إنصافهم».