في المناطق الجافة ذات الطبيعة الجبلية، نادراً ماتتساقط الأمطار لفترات قصيرة، قد تستمر لدقائق أو لساعات متقطعة خلال النوات الموسمية أو الغير موسمية. ولأن المناطق الجبلية ، مثل الصحراء الشرقية و سيناء، تتميز جبالها بطبيعتها الصلده الغير مسامية، فإن المطر يجري علي اسطح الجبال ليتجمع قي الوديان الضيقة، ليصبح سيل عنيف له قوه تدميرية كبيرة ويستطيع أن يكتسح ما يصادفه في طريقه. حدث ذلك كثيرا، ولكن ذاكرة سكان المناطق الجبلية تحتفظ ببعض الذكريات الغير سعيدة والتي سببتها السيول، مثلا سكان مدينة القصير علي البحر الأحمر يذكرون جيدا سيول عام 1979، والتي هدمت البيوت وشردت وقتلت البعض. حتي أنهم بعد هذا التاريخ رفعوا منازلهم بضع عتبات عن مستوي الوادي. وشهد العام الحالي تأثيرات سلبية للسيول شملت أغلب صعيد مصر والصحراء الشرقية. ولكن سكان الصحراء الغربية لم يكابدوا نفس المشقة بسبب السيول. ذلك لسببين، أولهما أن الصحراء الغربية صخورها ذات مسامية عالية، وتسمح للأمطار بالتسرب إلي الخزان الجوفي، وثانيهما أن التضاريس منخفضة ومنبسطة في أكثر مناطق الصحراء الغربية، وكما نعلم فإن الأمطار تزداد في المناطق الجبلية. والقرآن يشرح لنا هذه الحقيقة بأيات بليغة تحمل إشارات يقينية للإعجاز العلمي، وهي "وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماءً". وأهل اللغة يقولون أن حرف الفاء في كلمة "فأنزلنا" يسمي فاء الشرطية، أي أنه إن لم نرسل الرياح لتلقح السحاب، فلن ينزل المطر. والإعجاز في الأية الكريمة يتركز في أن الجبال العالية تقف مصد أمام الرياح والتي بالضرورة تكون محملة بالأتربة العالقة دقيقة الحجم. عندما تصطدم الرياح بالجبال، تصعد إلي أعلي علي صورة تيارات هوائية لتلاقي السحاب. عندها يبداء الماء في السحاب بالتجمع حول ذرات التراب العالقة في الرياح لتحفز المطر. أدرك العالم المتقدم هذه العلاقة بين الرياح والمطر، وابتكر عمليات الإستمطار الصناعي، وذلك برش رزاز بعض المواد مثل نترات الفضة أو المواد الغروية العالقة داخل السحاب، ليحفز المطر. يتم ذلك عن طريق الرش بالطائرات داخل السحاب أو تفجير صواريخ مصممة لهذا الهدف ومحملة بالمحفزات. التجارب الناجحة للإستمطار الصناعي عديدة، فمنها مثلا ما قامت به بلدية موسكو وأيضا الصين قبل إفتتاح الأوليمبياد، كما قامت مدينة دبي بتجربة ناجحة وأنزلت المطر في شهر أغسطس الشديد الجفاف. أثير جدل حول أخلاقيات عمليات الإستمطار، حيث يعتبرها البعض نوع من القرصنة، لأن دولة ما تجبر السحاب علي إفراغ حمولته في غير المكان الذي كان مقدراً له. علي العموم الإستمطار هو عملية مكلفة ولا تنجح في كل المحاولات، كما توجد لها تقنيات أخري غير ما ذكرت سابقا. إذا، السيول في المناطق الجبلية هي مياه أمطار تساقطت بغزارة في فترة زمنية محدودة، لتتجمع في الوديان الضيقة لتسير مندفعة في إتجاه الأرض المنخفضة، لتصب بصورة نهائية في البحر أو المحيط. والحكومات المتتابعة كان همها الأكبر هو تجنب الأثار التدميرية للسيول، وذلك بعمل مخرات للسيول لتسهل إندفاع المياه للبحر دون عائق. وقد تساهم المحليات بنشر العلامات الإرشادية لتحذر السيارات من مناطق السيول. ولكننا في كل الأحول نكون قانعين وممتنين عندما يمر السيل من بين يدينا إلي البحر دون أن يدمر أو يقتل. كان ينبغي أن نشعر بالخسارة لفقد كل قطرة ماء. كان ينبغي علينا أن نتدبر لنحتفظ بكل قطرة ماء، تماما كما يفعل إخواننا في الخليج العربي. لقد شيدت دولة الإمارات مئات السدود الركامية لتحفظ كل نقطة ماء من السيول ليتم الإسفادة منها أو لإتاحة الفرصة لشحن الخزان الجوفي. أين نحن من هذا؟ يمكن أن نتفهم أن الحكومات المتتابعة منهكة ومنشغلة بما هو أهم، فأين إذا دور المجتمع المدني وأين دور سكان هذه المناطق؟ لا يمكن القول أن ما سوف يتم تخزينه عن طريق هذه السدود سيوفر الماء علي مدار العام. ذلك غير واقعي، ولكنه سيوفر كثير من الماء الذي إن تركناه فسيبتلعه البحر. كما أن تخزين المياه خلف السدود الركامية يتيح الزمن الكافي لتسرب الماء إلي باطن الأرض ليدعم الخزان الجوفي، وهذا مكسب كبير لدولة مثل مصر تعاني من الفقر المائي الحاد والمتزايد. نحن نضرب المثل الأن ببعض الدول العربية التي أدركت أهمية الماء وحرصت علي حمايته وتخزينه. لكننا ننسي أن أجدادنا الفراعنة قد علموا العالم، بل وعلموا المحتل الروماني، كيف يكون ترويض السيول منذ اللآف السنين، وأستطاعوا أن يحتفظوا بالماء، بل وحماية ما تم تخزينه من السرقة ومن حيواتات الصحراء الهائمة. لقد شيدوا حصون لتجميع مياه السيول، طورها الرومان من بعدهم، ومازالت هذه الحصون صامدة تتحدي الزمن، تشكو من عدم أحترامها بالترميم الجيد وبإدراجها ضمن قوائم التراث الإنساني ، بل وأيضا عدم إدراجها بين المواقع السياحية المتميزة. لم تكن الحصون فقط هي أسلوب الحصول علي الماء ولكن أيضا يوجد في نفس المكان بئر كبير يعرف بأسم البئر الروماني تم تشيده بالقرب من القرية العمالية التي أستمرت في إستضافة عمال وادي النيل حتي العصور الرومانية. هل تعلم عزيزي القارئ كيف صنع القدماء المواد الأسمنتية لتبطين مثل هذا البئر. كان القدماء يخلطون الحجر الجيري بعد طحنه وحرقه ،متحولاً إلى الجير الحي، برماد الأفران، ليحصلوا علي مواد لاحمة تماثل الأسمنت. بالطبع ليست بكفاءة الأسمنت المعروف اليوم، ولكنة كان فعالاً، وما زال متماسكا حتي الأن، كما يشهد بذلك البئر الروماني ومصفاة دخول الماء لحصن تجميع مياه السيول، والتي لم تصنع من الحجارة شأن الحصن كله، ولكن من الطوب الأحمر المصنوع من طين النيل المحروق، وهي التقنية التي تعلمها المحتل الروماني من الفراعنة.