للروائى القدير فتحى غانم -رحمه الله- قصة بديعة بعنوان «الأبالسة» تحكى عن مجموعة من الأشخاص أدمنوا لعب «القمار»، اجتهد كل طرف منهم فى اصطياد الآخر، وحاول كل واحد منهم إغراء الثانى باللعب بطرق مختلفة. أحدهم أخذ يتحدث عن أنه أقلع عن لعب «القمار» بسبب المبالغ المالية المهولة التى خسرها فيه، وشرع آخر يتحدث عن غرامه بهذه اللعبة رغم أنه لا يجيد أصولها، الأمر الذى يوقعه فى الخسارة باستمرار، لكنه لا يستطيع أن يتوقف بسبب الإدمان. هكذا يحاول كل طرف أن يلعب دور الصياد، دون أن يدرى أنه مع احتدام اللعب قد يتحول إلى فريسة. وقد التقط «فتحى غانم» فى هذه القصة فكرة عبقرية تحدث عنها القرآن الكريم، وهو يحكى لنا عن «إبليس». كان «إبليس»، كما تحكى كتب التراث، يوصف بأنه «طاووس الملائكة»، وكان من أشدهم تعبداً لله، وربما كان ذلك هو السر الذى رسّخ الغرور فى نفسه اللعينة، وصدّه عن طاعة المولى عز وجل عندما أمر الملائكة بالسجود لآدم. والقرآن الكريم يقول: «قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ».. (سورة الأعراف، الآيات 12- 13). فالغرور كان البوابة التى أدت ب«إبليس» إلى السقوط، حين ظن أنه الأقوى والأذكى والأحرف. وتمكُّن هذا الإحساس منه هو ما دفعه إلى تحدى المولى عز وجل، حين طلب منه أن يمهله إلى يوم البعث، ويمنحه الفرصة كاملة ليثبت له رداءة الجنس البشرى وضعفه «قَالَ أَنظِرْنِى إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ» (الأعراف، الآيات 14-16). بدأ إبليس يلعب مع الأوادم (جمع بنى آدم) لعبة الغواية، تماماً مثلما كان يفعل أبطال قصة «فتحى غانم»، من خلال الاجتهاد فى نصب الشباك حول الفريسة ومحاصرتها من كل الجهات والنواحى، وصد العقل عن التفكير السليم، وإغراق النفس فى الأحاسيس والمعانى السقيمة، ينجح فيغرى بالمزيد، ويفشل فيمنعه غروره من التسليم بالفشل أو عقم التفكير، فيظل سادراً فى غيِّه وغوايته للآخرين دون أن يتوقف حتى تأتى لحظة الحساب. وقد جهز إبليس خطبة سوف يلقيها يوم الموقف العظيم تلخصها الآية رقم (22) من سورة «إبراهيم» ونصها: «وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِىَّ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ». ومن حيث ينتشى «إبليس» باصطياد فريسته لا يدرى أنه سوف يكون فى النهاية «فريسة» لغروره!