فى مكتبه الفسيح كان اللواء حسن السوهاجى، مدير أمن أسوان، يجلس مع كبار ضباط المديرية لمتابعة بداية الاشتباكات بين قبيلتى «الهلايل» و«الدابودية».. كان يسمع بين حين وآخر عبر جهاز اللاسلكى الخاص برجال الشرطة استغاثات الضباط وأمناء الشرطة فى ميدان المعركة مصحوبة بأصوات طلقات الرصاص التى خرجت من البنادق الآلية كالسيل المنهمر لتسكن فى صدور المتنازعين ومن حولهم. ثمة أسئلة ستبقى معلقة إلى الأبد، من نوعية: لماذا لم يمنع اللواء حسن السوهاجى المذبحة التى اندلعت بين الطرفين؟ كيف سمح بتطور الأمر إلى حد سقوط 28 جثة، وأكثر من 28 مصاباً؟، ماذا فعل اللواء السوهاجى خلال تلك الأيام؟، وكما ستبقى الأسئلة معلقة، ستبقى كذلك الإجابات غير شافية لتبرير موقف مدير الأمن حيال مجزرة دموية وقعت فى نطاق اختصاصه، ودامت ثلاثة أيام متواصلة. جاء اللواء حسن السوهاجى إلى محافظة أسوان فى أواخر شهر أغسطس الماضى على خلفية وقوع مذبحة مماثلة كان ضحاياها من رجال الشرطة بمديرية أمن أسوان، بعد أن تعرضوا للضرب والتنكيل على يد مجموعة من العناصر المؤيدة للرئيس المعزول محمد مرسى، وجرى احتجاز قيادات وضباط مديرية أمن أسوان والاعتداء عليهم بالضرب والسحل، خلال فض اعتصام أعضاء تنظيم الإخوان أمام ديوان عام المحافظة بعد أن رشقوه بالحجارة وأضرموا النيران فيه، ما دفع وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم إلى نقل اللواء حسن عبدالحى، مدير أمن أسوان السابق ومدير أمن الدقهلية الحالى وحكمدار المديرية، إلى ديوان عام وزارة الداخلية، وتعيين اللواء حسن السوهاجى الذى كان وقتها نائباً لمدير مباحث القاهرة مديراً جديداً لأمن أسوان. يعتبر «السوهاجى» واحداً من أصغر مديرى الأمن على مستوى الجمهورية إن لم يكن أصغرهم على الإطلاق، أهّله لهذا المنصب مهارته الجنائية وشخصيته القيادية المميزة التى ترجمها بوضوح خلال السنوات الماضية التى عمل خلالها مديراً لمباحث حلوان قبل إلغاء المحافظة وضمها للقاهرة، ثم نائباً لمدير مباحث القاهرة، ساهم فى القضاء على عدد كبير من البؤر الإجرامية والقبض على عدد لا يستهان به من قيادات الإخوان بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة. أثبت «السوهاجى» جدارته عقب توليه مهام منصب مدير أمن أسوان، ففى غضون أيام قليلة نجح فى القبض على المتهمين بسحل قيادات أمن مديرية أسوان، ثم واصل نجاحاته بتطهير المحافظة من بؤر الإرهاب والجريمة لتستحق وصف أكثر محافظات الجمهورية أماناً وهدوءاً. لكن جاءته الكارثة من حيث لا يدرى، أو كان يدرى، بنار الخلافات القبلية التى لم ينتبه إليها، لأنها ظلت خامدة تحت تراب الأحداث، وفجأة اشتعلت لتحصد وتصيب أرواح العشرات، حتى ألصقت بالرجل اتهامات التخاذل والتواطؤ بعدما أشيع عن انسحاب قواته من ميدان المعركة وتركها الساحة للمتعصبين من الجانبين.