مع بزوغ العام الجديد 2020، تواصل الدبلوماسية المصرية مساعيها لحل الأزمة الليبية ومنع التدخلات الخارجية، وتعد مصر، أمن ليبيا واستقرارها جزءا لا يتجزأ من أمنها القومي، فتربط البلدان مصالح أمنية واقتصادية، فضلا عن الروابط الاجتماعية، ولاسيما لكون ليبيا بوابة مصر الغربية حيث تشكل الحدود الممتدة بين البلدين، على طول الخط الحدودي من الشمال عند البحر المتوسط وإلى الجنوب حيث الحدود مع السودان، مسافة نحو 1200 كيلو متر، وفقا لما ذكرته وكالة انباء"الشرق الاوسط"، في تحليل نشرته اليوم. ولا تدخر مصر جهدا لمساعدة الليبيين لتجاوز هذه المرحلة العصيبة من تاريخهم، وجمعت الفرقاء الليبيين بالقاهرة في محاولة إعادة التلاحم فيما بينهم وتضافر جهودهم مع مصر وجميع الدول المحبة للسلام والمحبة لليبيا، وأكدت مصر دوما الالتزام بالحل السياسي كسبيل وحيد لإنهاء الأزمة، وتحقيق المصالحة بين مختلف أطياف الشعب الليبي، ورفض التدخل الخارجي والخيار العسكري لتسوية الأزمة، وضرورة الحفاظ على كيان ووحدة الدولة الليبية ومؤسساتها الوطنية، وأهمية أن يكون الحل "ليبي-ليبي" بعيدا عن أي حلول مفروضة من الخارج، كما رأت مصر أهمية أن يتفق الليبيون، فيما بينهم على تأييد الجهود المبذولة وتنفيذ اتفاق الصخيرات وقرارات مجلس الأمن ذات الصِّلة وإجراء استفتاء لدستور جديد وانتخابات ديمقراطية سليمة لتحقيق ذلك. والأمر المؤكد أن عقد الجامعة العربية اجتماعاً طارئا على مستوى المندوبين الدائمين أمس الأول، لبحث تطورات الأوضاع والمستجدات في ليبيا، جاء بناء على طلب مصر، التي أكدت أن التطورات الجارية واحتمالات التصعيد تنذر بتهديد استقرار ليبيا والمنطقة. وجاء تأكيد الرئيس عبدالفتاح السيسي والدبلوماسية المصرية على أهمية الحد من التدخلات الخارجية "غير المشروعة" في ليبيا، تزامنا مع توقيع تركيا مع حكومة "الوفاق" الإخوانية برئاسة فايز السراج، فى الشهر الماضى لاتفاق يهدف لإنشاء منطقة اقتصادية خالصة تمتد من ساحل تركيا الجنوبى على المتوسط إلى الساحل الشمال الشرقى لليبيا. وصرح السفير بسام راضي، المتحدث باسم الرئاسة المصرية، بأن الرئيس السيسي ناقش مع الأجهزة المصرية المعنية، مستجدات الأوضاع في ليبيا، مؤكدًا أهمية تسوية الأزمة على نحو شامل ومتكامل يتناول كافة جوانبها وليس أجزاء منها، وبما يسهم في القضاء على الإرهاب، ويحافظ على موارد الدولة الليبية ومؤسساتها الوطنية، ويحد من التدخلات الخارجية غير المشروعة. السيسي شدد على ضرورة أن يكون هناك جيش وطني موحد في ليبيا وكان الرئيس السيسي قد شدد على ضرورة أن يكون هناك جيش وطني موحد في ليبيا، قائلًا إن مصر تسعى إلى حل سياسي في ليبيا يحافظ على وحدة أراضيها ومؤسساتها، مشيرا إلى أن هناك محاولات دولية عديدة للتوصل لحل سياسي للأزمة، داعيا إلى وضع حد للتدخلات الخارجية في ليبيا، حيث طالب الرئيس السيسي خلال اتصالات هاتفية مع كل من، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، بضرورة إنهاء الأزمة الليبية من خلال مقترح شامل يتضمن جميع جوانب القضية، تتضمن مكافحة الإرهاب، وتقويض نشاط الميليشيات المسلحة، باعتبارها تمثل تهديداً لأمن المنطقة بأكملها. وواصلت الخارجية المصرية جهودها لتأكيد الثوابت تجاه الأزمة الليبية، حيث أدانت اتفاق "تركيا السراج" واعتبرت تلك الاتفاقية معدومة الأثر القانوني، إذ لا يمكن الاعتراف بها على ضوء المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات السياسي بشأن ليبيا، وبحث سامح شكري، وزير الخارجية، هاتفياً مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، مستجدات قضايا المنطقة، وفي مقدمتها الشأن الليبي، لاسيما في ظل توقيع مذكرتي التفاهم بين أنقرة والسراج، حيث أكد الوزيران أهمية العمل نحو تفادي أي تفاقم للوضع في ليبيا، و الدفع قدما بجهود التوصل إلى تسوية شاملة للأزمة الليبية، بما في ذلك مسار برلين السياسي، كما بحث شكري هاتفيا مع مبعوث الأممالمتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، سبل دفع الجهود الأممية للتوصل إلى تسوية شاملة لكافة أوجه الأزمة الليبية، وبحث مع مستشار الأمن القومي الألماني، يان هاكر، مستجدات الوضع في المشهد الليبي وآخر تحضيرات مسار برلين السياسي حول ليبيا. التركيز المصري على مسار برلين ينبع من أهميته في دفع خطوات الأمن والاستقرار في ليبيا ولا شك أن هذه الجهود المتواصلة تؤكد ثوابت السياسة الخارجية المصرية تجاه القضايا التي تخص الأمن القومي المصري هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن التركيز المصري على مسار برلين، ينبع من أهميته في دفع خطوات الأمن والاستقرار في ليبيا خطوات للأمام، وتنظم الأممالمتحدة مؤتمراً دولياً في برلين في يناير الجاري لوضع حد للخلافات الدولية بشأن ليبيا وفتح المجال أمام حل سياسي للنزاع الذي يمزق البلاد، ومن المفترض مشاركة الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، إلى جانب مصر والإمارات وألمانيا وتركيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية. وتصاعدت حدة التوترات في المشهد السياسي الليبي، أثر توقيع تركيا مع رئيس حكومة "الوفاق" الإخوانية فايز السراج مذكرة تفاهم تتعلق بتعزيز التعاون الأمني، إلى جانب ترسيم الحدود البحرية المشتركة، وقالت اليونان وقبرص "وهما على خلاف طويل مع تركيا بشأن الحدود ومناطق السيادة البحرية"، إن الاتفاق باطل وينتهك القانون الدولي للبحار وتعتبر الدولتان أن الاتفاق هو استيلاء على الموارد بهدف تقويض جهود تنمية استخراج الغاز من شرق المتوسط وزعزعة استقرار خصوم تركيا في المنطقة. القاهرة استضافت 6 جولات للحوار بين العسكريين الليبيين منذ يونيو 2017 وتعد الأزمة الليبية إحدى أولويات السياسة الخارجية المصرية فى الوقت الراهن، وبحسب المراقبون، فإن ليبيا حاليا هي الشغل الشاغل لمصر التي لا تدخر جهدا لمساعدة الليبيين على العبور ببلادهم إلى بر الأمان وتجاوز هذه المرحلة العصيبة من تاريخهم، وقد استضافت القاهرة منذ يونيو 2017 ست جولات للحوار بين العسكريين الليبيين الذين يمثلون مختلف مناطق ليبيا، وتم التوصل إلى عدد من الوثائق التفصيلية ولم يتبق سوى التوقيع عليها واعتمادها من قبل القيادات الليبية، وفقا لما ذكرته وكالة "الشرق الأوسط". وتسعى مصر منذ الانتفاضة الليبية في 17 فبراير 2011 وسقوط نظام معمر القذافي، إلى مساعدة جارتها الغربية على الخروج من المخاطر التي تحيط بها، وجاء هذا السعي من خلال آليات عمل مع دول الجوار وفي المنظمات الدولية والاتحادات العربية والإفريقية والتواصل مع كل القوى الليبية واحتضان حوار لها بالقاهرة، وقد تأسست مجموعة دول الجوار الليبي عام 2014 بعضوية كل من مصر والجزائر وليبيا، وتونس والسودان وتشاد والنيجر وتم تشكيلها أثناء القمة الأفريقية في غينيا الاستوائية، بغرض تقديم الدعم السياسي والأمني لليبيا من خلال العمل الجماعي للتعامل مع الموقف هناك.وخرج البيان الختامي لاجتماع وزراء خارجية دول الجوار العاشر في يناير 2017، ليؤكد على اتفاق مدينة الصخيرات كإطار وحيد للخروج من الأزمة الراهنة التي تعاني منها ليبيا، وفقًا للمبادىء الرئيسية التي تم التوافق عليها في الاجتماعات الوزارية، ومنها الحفاظ على أمن واستقرار ووحدة ليبيا وسيادتها على أراضيها ولحمة شعبها ورفض أي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية الليبية. وقامت الدولة المصرية بمساعٍ لتسوية الأزمة كتشكيل اللجنة المصرية المعنية بليبيا للأطراف الليبية، والتي تعمل على الاجتماع المكثف بجميع الأطراف الليبية من أجل تقريب وجهات النظر وبناء الثقة بينهم، حيث عقدت عدة اجتماعات في القاهرة ضمت عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي وفايز السراج وعددا من أعضاء المجلس الرئاسي والقائد العام للجيش الليبي، وأعضاء من مجلسي النواب والأعلى للدولة، وممثلي أعيان وقبائل ليبيا، وممثلي المجتمع المدني، والإعلاميين والمثقفين الليبيين من كل المناطق، وفقا لما ذكرته وكالة انباء"الشرق الاوسط". ولم يقتصر دور مصر على ذلك، بل شاركت في المؤتمر الدولي حول ليبيا بباريس، والذي عُقد في مايو 2018، تحت رعاية الأممالمتحدة ضمن نحو 20 دولة وكذلك 4 منظمات دولية منها الجامعة العربية، بهدف وضع خارطة طريق مشتركة ترمي إلى تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية 2018 مع ضمان الشق الخاص بالتأمين والشفافية، وتمديد مهلة تسجيل الناخبين لزيادة عددهم بقدر الإمكان من 2.7 إلى 3 ملايين ناخب، فضلا عن تبسيط الأمور على صعيد المؤسسات وتوحيد القوى الأمنية وفق ما يعرف بحوار القاهرة، ناهيك عن المقترحات المصرية لحل الأزمة الليبية في مدينة باليرمو الإيطالية، في نوفمبر من العام الماضي. ويجمع المراقبون على أن المحاولات التركية للعب في ملف الأزمة الليبية من خلال الاتفاق غير المشروع الذي وقعته مع السراج والذي ترفضه القوى الليبية الأخرى ويواجه كذلك برفض عربي ودولي وأوروبي بهدف الخروج عن المسار الأممي وضياع الوقت أو إلهاء مصر عن ليبيا لن تنجح، فمصر لم ولن تتوقف عن العمل على تسوية شاملة لهذه الأزمة، لأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تفاقم ظاهرة الميليشيات المسلحة والاقتتال فيما بينهم وانتشار السلاح والتهريب وانتقال المقاتلين الأجانب من وإلى ليبيا والهجوم على المنشآت النفطية، ما يمثل تهديدا مباشرا لأمن مصر القومي، حيث الحدود المشتركة الشاسعة. وستستمر السياسة الخارجية المصرية فى التعاطي مع الأزمة الليبية وفقا لثوابتها الراسخة والعمل على وحدة المؤسسة العسكرية الليبية واضطلاع الجيش الليبي بمسؤولية الحفاظ على أمن وسيادة واستقرار الدولة، ولعل هذه هي ثوابت مصر مع كل أزمات المنطقة وهى عدم التدخل فى شئون الدول، وعدم التآمر على أحد، والعمل على الحفاظ على وحدة الدول العربية.