لأننى كنت سعيدا للغاية باتجاه «مرسى» نحو الشرق، إيماناً منى بأننا يمكن لنا أن نرتقى فقط بدءاً من هناك، وأن «الشرق» هو المكان الوحيد الذى يمكننا أن نعود لمكانتنا فى العالم من خلاله، وأننا لنتقدّم وننهض لا بدّ لنا من خروج حقيقى من إطار التبعية والعبودية التى بقينا فيها منذ «كامب ديفيد» لعدونا الصهيونى والأمريكى، لهذا تابعت باهتمام بالغ زيارة الدكتور محمد مرسى لطهران فى قمة «عدم الانحياز»، وانتظرت بكل شغف كلمته التى سيلقيها هناك، على اعتبار أن هذه الكلمة كان من المنتظر منها أن تؤصل لمرحلة جديدة فى العلاقة المصرية الإيرانية التى كان من المنتظر إعادة النظر فيها بعد اندلاع ثورة يناير المجيدة، على اعتبار أننى أؤمن بأن العالم ينقسم -ضمنياً- إلى معسكرين فى أحدهما تقف أمريكا والكيان الصهيونى، وفى الجانب الآخر تقف إيران وحركات المقاومة والتحرّر. ولأنه من الطبيعى انضمام مصر لأحد المعسكرين، كان من الطبيعى أيضاً أن يكون مكانها بجانب إيران وحركات المقاومة على اعتبارهم «أصدقاء» للشعب المصرى وللمشروع العربى! الزيارة التى أثارت استياء الأمريكان ورفقاءهم الصهاينة كانت مريحة لكثيرين -من أمثالى- خاصة وهى تأتى فى وقتٍ اتخذ مرسى فيه خطوات عديدة تؤكد على بقائنا فى ذات المعسكر القديم الذى تركنا فيه المخلوع «مبارك». لكنها فى الوقت ذاته لم تحقق كثيراً من تطلعاتنا التى انتظرناها من مرسى لا فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية، ولا بالقضية السورية «رغم كلماته العاطفية التى لم يترجمها إلى عمل على أرض الواقع»، ولا فيما يتعلق بالدم «البحرينى» الذى تسفكه عصابات «آل خليفة» ليل نهار وكأن الدم «الشيعى» مباحٌ سفكه، وأن الثورة التى لا ترضى عنها أمريكا وذيولها من أهل الخليج ليست بثورة! مرسى كان يحاول إرضاء كل الأطراف فى كلمته فخسرهم جميعاً، أراد أن يثبت للأمريكان وقوى الخليج وربما بعض أهل السياسة أن زيارته لطهران لا تعنى انضمامه لمعسكرها فهاجم النظام السورى، وأكد على «سُنِّيَّته» بذكر صحابة النبى صلى الله عليه وسلم بشكل طفولى ساذج لا يمكن تخيله من «رئيس دولة»، وكأن مرسى فى خطابه كان يخرج «لسانه» بذكر سادتنا الصحابة فى معقل «الشيعة» الكفار ليغيظهم ويكيدهم! الخطاب لم يكن -بالنسبة لى- سوى محاولة للعمل «بلقمته» دون امتلاك رؤية حقيقية للخروج من الأزمات، ولا موقف مستقل فى التعامل مع القضايا العالقة، ولم يتعدَّ كونه مجاملة تشبه ما يحدث فى الأفراح «البلدى» الذى يدفع بها المعزوم «النقطة» ويظل يذكر اسم «صاحب الفرح» مرة، و«فتوة الحتة» عشرين مرة، لأن «العمر مش بعزقة»! على الرغم من كونى راضيا جداً عن ذكر القضية الفلسطينية بهذه الطريقة فى خطاب مرسى، وكذلك القوة فى إعلان دعم سقوط بشار، فإننى كنت أنتظر من الدكتور مرسى أن يكون ذكياً كفاية ليدرك أن الشعارات لا تحل الأزمات، وأن «شغل العيال» لا تتحدد به مواقف الدول، وأن مجاملة دول الخليج أو أمريكا لا تقل إجراماً عن دعم بشار أو غيره من القتلة المستبدين، وأن الخروج من التبعية يكون برفض قرض البنك الدولى وإلغاء كامب ديفيد لا بمجرد كلمات فى خطاب. واسمحوا لى أن أختم بنشر بعض الكلمات التى نشرها الصديق «أحمد ضيف» على موقع الفيس بوك: «اتضح لى الآن بعد سماع خطاب مرسى فى إيران، أن زيارته كان لها هدف واحد فقط وهو إيصال رسالة واضحة وصريحة، نحن لسنا معكم ولن نكون فنحن ندعو بالرضا عن سادتنا صحابة رسول الله وأنتم تسبونهم، ونحن ندعم ثورة سوريا وأنتم تدعمون نظامها السفاح، فلا تنتظروا منا إلا أن نعين أمريكا وإسرائيل وآل سعود عليكم فى حربكم القادمة معهم!». «المجد للشهداء.. النصر للشعوب»