أهم ما تمتاز به منطقة حلايب وشلاتين هو تعدد الثروات المعدنية في جبالها ووديانها، وهي الثروات التي ما زالت تحتاج إلي جهد كبير من علماء الوطن. ولكن في يقيني أن البيئة البكر هي الميزة الأكبر، ويكفي أن نعرف أن هذه المنطقة من أرض الوطن تقع في حدود ثلاثة من أكبر المحميات الطبيعية، وهي محمية علبة، ومحمية وادي العلاقي ومحمية وادي الجمال _ سمي هكذا لأنه الممر الرئيسئ لقوافل الجِمال (بكسر الجيم) بين مصر ودول جنوب شرق أفريقيا_ وإن كنت أسميه، بيني وبين نفسى، وادي الجَمال (بفتح الجيم) لما لجباله ووديانه من جمال ووروعة. إذا فمنطقة حلايب وشلاتين هي مكان يجب أن تسير خطي التنمية قيه لتطور العائد الإقتصادي للثروة المعدنية ، وللعائد البيئي والذي لديه القدرة علي أستقطاب سياحة متميز. إنني فقط أحلم، وكم من الإنجازات الرائعة قد تحولت من حلم إلي واقع، أحلم أن الحكومة المصرية قد قررت إنشاء جامعة متخصصة في مجال المعادن والخامات وأستكشافها وتركيزها وتسويقها، وتهتم أيضا بالشئون البيئية، ويكون مقرها بين الجبال والوديان والخامات في حلايب وشلاتين. هل يستحق هذا أن يكون حلم؟ نعم، وأكاد أراه وقد تحقق. أن لدينا في مصر جميع الكوادر العلمية اللازمة لتحقيق الهدف. وكلنا يعلم أن كليات الهندسة والعلوم والدراسات البيئية في الجامعات المصرية تتكدس بها الكفاءات العالمية المستوي والقادرة علي أن تفي بمتطلبات هذا الحلم. ولكن هل لدينا الإرادة؟ نحن نقيم الليل ولا نقعده عن عودة سينا كاملة لينا، ولكن وفي ذات الوقت نتركها حتي تصبح مرتعاً لكل جاحد لدين الله يستحل قتلنا، وخراب ديارنا. غير أني أري الأن، وبوضوح، صحوة أبناء الوطن، والتي نتمني جميعا أن تتحول من شعارات إلي واقع نعيش فيه ويعيش فينا. إن إنشاء جامعة مصر للمناجم والتعدين والبيئة في حلايب وشلاتين له المبررات الأتية: أولا، علي الرغم من أن قارة أفريقيا غنية بالخامات، مثل الفوسفات والماس والذهب والنحاس وغيرها، لكن مستوي التعليم الفني في مجال أستكشاف الخامات ومعالجتها والمناجم، هو في أدني المستويات في كل القارة، بإستثناء جنوب أقريقيا. إن بعض الدول مثل رواندا وبروندي، مثلا، ترسل أبنائها للخارج للحصول علي درجة البكالوريوس في الجيولوجيا. الدول الإفريقية تحتاج إلي أستكشاف مكثف للخامات، لن يقدمه الأجنبي إلا من أجل مكسب سريع، ولكن أبناء الجلدة المتعلمون والمدربون هم وحدهم القادرون علي التقييم الصحيح للثروة المعدنية في القارة، ليس من أجل مكسب سريع ولكن من أجل تنمية مستدامة. ثانياً: منطقة حلايب وشلاتين، وإمتدادها الطبيعي شمالاً، وحتي سفاجا، بها أهم الخامات المعدنية في الدولة، فيها أغلب مناجم الذهب، والتي كانت معروفة ومستغلة منذ زمن الفراعنة، وبعضها يعمل بنجاح الأن. والمنجم الأهم علي الإطلاق هو منجم السكري، والذي يعتبر في ذاته مدرسة للفكر الحديث في إستكشاف وإستغلال الذهب. قد لا يعرف البعض منا أن أقدم خريطة لمنجم في التاريخ، هي لأحد مناجم الذهب الفرعونية. وتتعرض رواسب الوديان في حلايب وشلاتين لسرقة الذهب الموجود بها، حيث تمارس عصابات مدربة، وأغلبها غير مصري، بالإستعانة بأجهزة حديثة وسيارات دفع رباعي، وتقوم بإستخلاص الذهب وتهريبة. وأيضاً في الصحراء الشرقية المصرية، تتواجد أغلب خامات اليورانيوم والنيوبيوم والتنتالم والتلك والفوسفات واللإمينيت، وغيرها الكثير. كما يتواجد بها أرقي أنواع صخور الزينة علي الإطلاق. أستخرج الفراعنة معدن البيريل من صخور وادي الجمال، وهو من أرقي الأحجار الكريمة بلون ماء البحر، و وظفوه في كثير من التماثيل. ولكننا نعلم الآن أن معدن البيريل، حتي وإن كان دقيق الحجم ومشوه ولا يصلح حجراَ للزينة، فهو مصدر رئيسي وإقتصادي لعنصر البريليوم ذو الأهمية الخاصة في تكنولوجيا المفاعلات النووية. إن مصادر الثروة المعدنية في صحراء مصر الشرقية تستحق منا أن ننشئ ، وفي أعز أجزائها جامعة أو معهد للتعدين والبيئة، إذ ينبغي أن ينتقل طالب العلم إلي الجبال، فلن تنتقل الحبال أبدا إليه. ثالثاً، إن إنشاء جامعة التعدين والبيئة في شلاتين، لهو تذكير للجميع أننا نهتم بأرضنا، وننميها لخيرنا، وخير القارة جميعاً. ويقبل بها طلاب من كافة أنحاء القارة مع الطلاب المصريين. أري هذه الجامعة علي نمط مثيلتها في العالم مثل التي في دينيفر بكلورادو في الولاايات المتحدة، أو تلك في مدينة ليوبن بالنمسا. وأحلم أن يدعي للتدريس بها أساتذة مرموقين من الدول الإفريقية المختلفة. أحلم أن تركز مناهجها علي الكثير من النواحي التي نفتقدها في جامعاتنا المصرية حاليا، وعلي رأسها أساليب تقدير أحتياطيات الخامات. ومن بين ما تهتم به أيضاً، ألإستكشاف الفعال للخامات، معالجة الخامات المنخفضة الجودة، تسويق الخامات، تصبيع ومعالجة الخامات، طرق إستخراج الخامات، وغيرها من المواضيع ذات الصلة، والتي تسهم في تخريج كوادر علي درجة عالية من التأهيل، تناظر المستويات العالمية. رابعاً، سوف تدعم هذه الجامعة التواجد المصري وبفاعلية في أفريقيا. ومن الممكن أن تصبح بيت خبرة متميز، وتقوم بدور أعمال الإستشارات في القارة. من الممكن أن تكون هذه الجامعة بيت خبرة، تفتح قنوات للإتصال بالشركات العالمية المتميزة في مجال التعدين وتحسين جودة الخامات، وتقوم بتنغيذ الدراسات وتقييم المشاريع. جامعة التعدين والمناجم والبيئة في شلاتين، إذا قدر لها ذات يوم أن نكون واقعاً ملموسا، فيجب أن تكون أهلية لاتهدف الربح، ولا تتلقي دعم من الحكومة، وأن تبني بحر مال المصريين وأشقائهم العرب الراغبين في المساهمة. ليشعر كل مصري أنه يدعم الوضع الصحيح لحدود مصر، والتي تلاعب بها ناقصي الوطنية. لقد ضرب المصريون أروع مثل في بدايات القرن الماضي عندما أكتتبوا من أجل بناء جامعة فؤاد الأول (القاهرة الأن) فهل من الممكن أن يعيد التاريخ نفسه؟