لا يبدو حتى الآن من المناقشات التى تجرى فى مجلس الجامعة العربية استعداداً لعقد القمة المقبلة فى الكويت مع أواخر شهر مارس، إن كانت قمة الكويت سوف تبقى على جدول أعمالها التقليدى الذى يضم أكثر من 30 بنداً، تبدأ بالقضية الفلسطينية إلى احتلال إيران لجزر الإمارات إلى الحرب الأهلية فى سوريا، يصدر بشأنها قرارات تقليدية تكاد تكون تكراراً لقرارات القمم السابقة، مع تعديلات وتحسينات طفيفة فى الصياغة لا تعكس ثقل المتغيرات المخيفة التى يمر بها عالمنا العربى! ولا تغير شيئاً من الواقع العربى الراهن الذى يزداد ضعفاً وتمزقاً وهواناً!. حيث ينهش الإرهاب قلب العالم العربى وأطرافه، يبدد أمنه واستقراره، وتتآكل جيوش العرب وقواتهم المسلحة تباعاً تحت وطأة مؤامرة دولية مستمرة نجحت فى العراقوسوريا، وتضعف دولهم وحكوماتهم تحت ضغوط قوى خارجية تصر على هزيمة العالم العربى وتطويعه، بينما يلوك الجميع أضغاث أحلام كاذبة حول ثورات الربيع العربى، التى غرقت فى متاهات الصراع بين العلمانيين والليبراليين وأنصار الإسلام السياسى وجماعات السلفيين والجهاديين، وكتائب الفوضى والاشتراكيين الثوريين، وتآمر أجهزة المخابرات الدولية، يعملون جميعاً بهمة ونشاط بالغين من أجل تفتيت الأمة العربية وتمزيقها إرباً، كى يتكرر ما حصل فى العراقوسوريا فى كل أرجاء الوطن العربى بما فى ذلك مصر والسعودية ودول الخليج، ويتحول العالم العربى إلى فوضى عارمة ترقص فوق أطلاله جماعات الخوارج وتنظيمات الإرهابيين وشيوخ الفتن من كل لون وجنس يشعلون النار فى كل مكان! وبرغم هذه المخاوف الحقيقية لا يبدو واضحاً حتى الآن إن كانت قمة الكويت سوف تستمر فى جدول أعمالها العادى، أم أن هذه المتغيرات الثقيلة سوف تفرض نفسها بالضرورة على أعمال قمة الكويت؛ ليصبح الإرهاب الموضوع الأول على جدول أعمالها، لأن الحرب الضارية التى تخوضها مصر ضد جماعات الإرهاب تشكل منعطفاً خطيراً سوف يترتب على نتائجه مستقبل عالمنا العربى! ولأن الأمر أشد خطراً من أن تترك قمة الكويت الأمور تجرى على هذا النحو من الفوضى والخراب بعد أن انتشرت بؤر الإرهاب فى كل أرجاء العالم العربى، فى اليمن وجنوب الجزيرة وسيناء، وشرق المتوسط فى غزة وفلسطين، وفى شمال أفريقيا وصولاً إلى المغرب، ولأن غياب قضية الإرهاب عن جدول أعمال القمة المقبلة يعنى أن يبقى مصير العالم العربى تحت رحمة جماعات الإرهاب وسماسرته وأعوانه، بدعوى أن ما يجرى فى مصر شأن داخلى لا علاقة له بالأمن العربى أو أمن دول الخليج! بينما يعرف الجميع أن سقوط مصر تحت سنابك الإرهاب، لا قدر الله، يعنى سقوط العالم العربى بما فى ذلك دول الخليج، وأن المقولة التى ترددها قطر بأن خلافها مع دول الخليج لا يتعلق بأى شأن خليجى، لكنه يتعلق بسياساتها الخارجية تجاه مصر مقولة كاذبة، لأن مصر ليست لها أية قضية خاصة مع قطر التى تصر على دعم الإرهاب وإعطائه ملاذاً آمناً وتوظف قدراتها المالية الضخمة ومحطتها «الجزيرة» لخدمة مخططات هذه الجماعات وأهدافها!.. وفى ظل تهديدات الإرهاب التى تشمل العالم العربى بأجمعه، يصبح أمن مصر وأمن الخليج والأمن العربى كلاً واحداً لا يتجزأ، لأن الهدف واحد والمعركة واحدة، خاصة أن الهدف المعلن لجماعات الإرهاب، إقامة دولة الخلافة من تونس غرباً إلى السودان جنوباً وغزة وفلسطين شرقاً بهدف جذب البسطاء والضحك على عقول العوام. لا مناص إذن من أن تكون قضية الإرهاب على رأس جدول أعمال قمة الكويت بعد أن أصبح الإرهاب خطراً حالاً يهدد أمن غالبية الدول العربية، وبعد أن أصدرت السعودية إعلانها الأخير الذى يعتبر جماعة الإخوان وحزب الله وجماعة النصرة جماعات إرهابية لا ينبغى لأى من الدول العربية أن تمنحها ملاذاً آمناً، أو تقدم لها أياً من صور العون المادى والمعنوى بما فى ذلك المساندة الإعلامية، وربما تتحفظ بعض الدول العربية على إدراج بعض هذه الجماعات على قائمة الإرهاب لأسباب تخصها كما هو حال لبنان مع «حزب الله»، لكن ضرورات الأمن العربى تفرض بالضرورة صدور قرارات واضحة لا تحتمل الإرجاء، ترفض الإرهاب كما ترفض ذرائعه، وتدين جماعات الإرهاب الجوالة التى تحولت إلى فرق منقولة عابرة للحدود يتبع أغلبها تنظيم القاعدة، تجد فى بؤر التوتر فى العالم العربى نقاط جذب تشد إليها الرحال كى تسفك الدماء وتعمل الخراب أملاً فى القفز على السلطة!. ولا بأس بالمرة من أن تحفظ قمة الكويت خط الرجعة لكل جماعة تعلن التزامها بوقف أعمال العنف والإرهاب، واحترامها لشروط الأمن القومى العربى وضرورات الحفاظ على الاستقرار والأمن، وأن تبقى على أبواب المصالحة العربية مفتوحة على مصاريعها مع أى من الدول والحكومات تلتزم بعدم التدخل فى الشأن الداخلى للدول العربية وتمتنع عن معاونة أى من جماعات الإرهاب، كما يصبح من واجب قمة الكويت أن تضع الخطوط الفاصلة التى تميز بين الإرهاب والحق المشروع فى مقاومة الاحتلال والطغيان، بما يمنع الخلط بين المقاومة والإرهاب ويحفظ للمقاومة التزامها الأخلاقى باحترام حق الحياة، وعدم المساس بالمدنيين، والامتناع عن تجويع الأهليين وحصارهم ليرضخوا لضغوط هذا الجماعات!.. وربما تتمثل الآلية العملية المثلى لتطبيق هذه القرارات الحاسمة فى أمانة خاصة تتشكل من وزراء الداخلية والعدل العرب، يجتمعون بصورة دورية لمناقشة هذه المشكلات، ويرفعون تقاريرهم إلى رئيس القمة المناوب الذى يتحمل مسئولية إخطار الرؤساء العرب. ولست أشك فى أن قمة الكويت سوف تدخل التاريخ باعتبارها واحدة من أهم القمم العربية وأكثرها تجاوباً مع نبض الشارع العربى، والتزاماً بشروط الأمن العربى ومتطلباته، إن كرست هذه القمة جهودها لتحصين الأمن العربى من أخطار الإرهاب، وتمكنت من أن تضع ضوابط واضحة يحترمها الجميع، تحاصر الإرهاب وتجتث جذوره، وتمنع الخلط الفادح بين الإرهاب والمقاومة المشروعة، وبين الإرهاب والمعتقد الدينى الذى أساء إلى صورة الإسلام، وألصق به زوراً وكذباً صفات الغلظة والقسوة والعنف وعدم قبول الآخر، رغم أن السلام والسماحة وتعارف الأمم والاعتراف بحقوق الآخرين تشكل مظلة القيم الحقيقية لهذا الدين الحنيف، ويكمل هذا الجهد أن تستدعى الجامعة العربية مرة أخرى دورها الثقافى المستنير خلال خمسينات القرن الماضى، عندما توفرت تحت إشراف عميد الأدب العربى طه حسين على نشر ثقافة جديدة تحض على النظرة العلمية واحترام العقل ورفض الخرافة لتقدم للأجيال العربية الراهنة فهماً صحيحاً للدين والحضارة والفكر الإسلامى يحصن هذه الأجيال من الوقوع فى براثن الإرهاب، وينمى قدراتهم على التأمل والتفكر والتدبر واستخدام العقل، التزاماً بتعاليم الإسلام الصحيح التى تجعل استخدام العقل فريضة واجبة على كل مسلم، لأن هزيمة الإرهاب لا تتحقق فقط من خلال الجهود الأمنية، ولكنها تتحقق أولاً بهزيمة أفكاره وقيمه ومقولاته التى تشيع مع الأسف فى أوساط شبابنا العربى، وتلزمهم السمع والطاعة لهذه الجماعات التى تفسد عقولهم فى غيبة المدرسة والبيت اللذين لم يعودا قادرين على القيام بواجبهما.