يحتفل السودان، اليوم السبت، ببدء تنفيذ الاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه بين المجلس العسكري الانتقالي وقادة الحركة الاحتجاجية بهدف الانتقال إلى الحكم المدني الذي يأمل السودانيون أن يجلب لبلدهم مزيداً من الحرية والازدهار الاقتصادي، وخلال حفل سيقام في قاعة تطلّ على نهر النيل، سيوقّع قادة المجلس العسكري وزعماء الحركة الاحتجاجية على وثائق الاتفاق الذي يحدّد فترة حكم انتقالية مدّتها 39 شهراً. ويحضر الحفل الرسمي، اليوم السبت، رئيس الوزراء الإثيوبي آبيي أحمد وعدد من القادة في المنطقة، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية السفير أبوبكر الصديق في بيان مساء أمس الجمعة: "وصل البلاد وزير خارجية تركيا مولود تشاوش اوغلو، كما وصل وزيرا خارجية أوغندا وجيبوتي ورئيس البرلمان العربي". ويتغيب عن حفل اليوم المجموعات المتمرّدة في المناطق المهمّشة مثل دارفور والنيل الأزرق وكردفان، وكانت الجبهة الثورية السودانية التي توحّدت هذه الحركات تحت رايتها دعمت الحركة الاحتجاجية، لكنّها رفضت الإعلان الدستوري وطالبت بتمثيل في الحكومة وبمزيد من الضمانات في محادثات السلام. وأحد أكثر النتائج الدبلوماسية الفورية المرتقبة للحلّ الذي تمّ التوصّل إليه هذا الشهر هو رفع تعليق عضوية البلاد الذي فرضه الاتحاد الأفريقي على السودان في يونيو الماضي، وقال العضو البارز في "المجلس العسكري الانتقالي"، اللواء الركن محمد علي إبراهيم، لأمس الجمعة إنّ التوقيع الرسمي "سيفتح الباب مجدّداً أمام العلاقات الخارجية للسودان". وأوضحت وكالة "فرانس برس" الفرنسية: على الرغم من أنّ الطريق إلى الديموقراطية لا تزال حافلة بالكثير من العقبات، فإنّ الأجواء الاحتفالية تخيّم على البلاد التي ستستقبل اليوم السبت، عددا من المسؤولين الأجانب بالإضافة إلى الآلاف من المواطنين من جميع أنحاء السودان الذين تقاطروا على الخرطوم للمناسبة. وأنهى الاتّفاق الذي تم التوصل إليه في 4 أغسطس الجاري، نحو ثمانية أشهر من الاضطرابات التي بدأت بمظاهرات حاشدة ضدّ الرئيس عمر البشير، وأطاح الجيش بالبشير تحت ضغط الشارع في أبريل الماضي، بعد 30 سنة من حكم السودان بقبضة من حديد، وقام كل من الاتحاد الأفريقي وإثيوبيا بوساطة قادت إلى الاتفاق الذي رأى فيه المتظاهرون انتصاراً ل"ثورتهم"، بينما رأى فيه "الجنرالات" تكريساً لفضلهم في تجنيب البلاد حرباً أهلية. وأشارت الوكالة الفرنسية، إلى أنه في مدينة عطبرة، مهد الاحتجاجات التي اندلعت في ديسمبر 2018، رقص الناس وغنّوا في محطة القطار، أمس الجمعة بينما كانوا يستعدّون لركوب القطار باتجاه الخرطوم للمشاركة في احتفال اليوم السبت، وأوضحت "فرانس برس": هتف المحتفلون "مدنية، مدنية"، متعهّدين الانتقام للقتلى الذين سقطوا خلال الاحتجاجات، فيما احتفت الصحف السودانية الصادرة صباح اليوم السبت بالانتقال التاريخي، وكتبت صحيفة "التيار" في صفحتها الأولى: "البلاد تبدأ اليوم الانتقال التاريخي نحو الديمقراطية"، فيما عنونت صحيفة "السوداني": "الخرطوم تستعد للفرح الأكبر". ومع التوقيع الرسمي، على الاتفاق اليوم السبت، سيبدأ السودان عملية تشمل خطوات أولى فورية مهمة، إذ سيتم غدا الأحد الإعلان عن تشكيلة مجلس الحكم الانتقالي الجديد الذي سيتألف بغالبيته من المدنيين. وأعلن قادة الحركة الاحتجاجية، أمس الأول الخميس، أنّهم اتّفقوا على تعيين المسؤول السابق في الأممالمتحدة عبدالله حمدوك، وهو خبير اقتصادي مخضرم، رئيساً للوزراء، ومن المتوقّع أن يركّز حمدوك جهوده على إصلاح الاقتصاد السوداني الذي يعاني من أزمة منذ انفصل الجنوب الغني بالنفط في 2011 عن الشمال، وشكّل الوضع المعيشي شرارة الاحتجاجات ضد حكم البشير. وتابعت "فرانس برس" قائلة: لكنّ العديد من السودانيين يشكّكون في قدرة المؤسسات الانتقالية على كبح جماح القوى العسكرية خلال فترة السنوات الثلاث التي ستسبق الانتخابات، مضيفة: سيحكم البلد الذي يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة مجلس سيادة يتألف من 11 عضواً، وينص الاتفاق على أنّ يعين العسكر وزيري الداخلية والدفاع. من جانبها، قالت روزاليند مارسدن من مركز "تشاتام هاوس" في لندن، إنّ "الحركة السياسية ستكون أكثر أهمية من قصاصات ورق"، مضيفة: "التحدّي الأكبر الذي يواجه الحكومة هو تفكيك الدولة الإسلامية العميقة التي سيطرت على جميع مؤسسات الدولة والقطاعات الرئيسية في الاقتصاد، بما في ذلك مئات الشركات المملوكة للجهاز الأمني - العسكري". وكان من المقرّر، أن يمثل البشير الذي تولّى السلطة إثر انقلاب في 1989 والمطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بجرائم حرب أبرزها ارتكاب إبادة جماعية في منطقة دارفور، أمام محكمة سودانية يوم السبت بتهم فساد. لكن تم إرجاء محاكمته الى موعد لم يحدّد، فيما حذّرت "منظمة العفو الدولية"، أمسص الجمعة من السماح للبشير بالهروب من المحاكمة في لاهاي، وقالت في بيان: "على السلطات السودانية تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية للردّ على تهم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية. لقد تهرَّب عمر البشير من العدالة لمدة طويلة جداً، علماً بأنّ ضحايا الجرائم البشعة لا يزالون ينتظرون تحقيق العدالة، وتلقّي التعويضات، بعد مرور أكثر من عقد على إصدار المحكمة الجنائية الدولية أول مذكرة لاعتقاله". ويشكّك البعض في معسكر الاحتجاج في قدرة الاتفاق على الحدّ من سلطات الجيش وضمان العدالة لنحو 250 متظاهراً قتلوا على أيدي قوات الأمن. بدوره، حذّر الصحفي البارز عثمان الميرغني من المبالغة في الاحتفالات، وكتب ميرغني رئيس تحرير صحيفة "التيار" في زاويته السبت "نحتفل اليوم بتوقيع وثائق الانتقال لكن بالله عليكم لا تضيعوا مزيدا من العمر في الاحتفالات"، مضيفا: "نحن أشبه بفريق كرة قدم مهزوم (عشرة صفر). فإذا أحرز مهاجمه هدفا، لا داعي لخلعه الفانلة والجري نحو الجمهور. على العكس خذ الكرة وأسرع بها نحو المنتصف لمواصلة المباراة وكسب الزمن".