بين الشراكة والصراع.. بين التعاون والقطيعة، تأرجحت العلاقات المصرية- الأمريكية على مدار تاريخها، ويوم "الجمعة" 28 فبراير، والذي وافق الذكرى ال40 لاستئناف العلاقات بين البلدين، استضافت واشنطن محاضرة لراشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية الإخوانية، وتحديدًا في مركز كارنيجي، المقرب من اللوبي اليهودي، وهو المركز الذي نشر مقالاً في مارس الماضي بعنوان "هل بدأ العد التنازلي للانقلاب العسكري في مصر؟"، ولفت المركز في هذا المقال إلى أنه لو حدث ذلك فهو من شأنه أن يدفع أمريكا وأوروبا لوقف مساعداتهما لمصر كما حدث مع موريتانيا في 2008. ومن جانبه، هاجم الغنوشي، خلال محاضرته اليوم في واشنطن، ثورة 30 يونيو المصرية ووصفها ب"الانقلاب"، وهو ما يشير إلى استمرار النظرة "الأمريكية- الإخوانية- الصهيونية" المُعادية لإرادة المصريين في 30 يونيو. وفي 28 فبراير من عام 1974، استأنفت الولاياتالمتحدة علاقاتها الدبلوماسية بمصر العلاقات الدبلوماسية بعد 7 سنوات من قطعها منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بعد مساندة واشنطن للعدوان الصهيوني على مصر وعدد البلدان العربية في 5 يونيو 1967. وكانت العلاقات بين البلدين قد انطلقت في 12 يناير 1832 وتحديدًا في الإسكندرية، حيث كان القنصل بريطانيًا ويُدعى جون جليدون. وفي سبتمبر 1947 تطلب مصر رسميًا بعثة عسكرية أمريكية لتدريب القوات المصرية، وهو ما يشير إلى قدم التعاون العسكري بين البلدين. وبعد نجاح الضباط الأحرار في الإطاحة بالحكم الملكي في ثورة 23 يوليو 1952، توجّه مندوب من مجلس قيادة الثورة إلى السفير الأمريكي بالقاهرة، وأبلغه أن النظام القديم في مصر سقط، وأن "النظام الثوري الجديد" يستهدف تحقيق طموحات الشعب المصري. ومنذ عام 1953 وفي بدايات الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، سعت الولاياتالمتحدة إلى تعميق علاقاتها بمصر والوصول لها قبل الاتحاد السوفييتي، ولكن كان عبدالناصر هو "السد المنيع" أمام المحاولات الأمريكية لاختراق مصر، رغم المحاولات الأمريكية لاستمالة هذا الرجل وإقناعه لدرجة أن واشنطن عيّنت سفيرًا ذا خلفية عسكرية- وهو هنري بايرود- لمحاولة إقناع عبدالناصر، وهو السفير الذي قال عن جمال عبدالناصر: "لا أعرف إذا كان ناصر على حق أم على باطل، لكني أعرف أنه لو حدث انتخاب حقيقي في سوريا أو الأردن أو العراق لفاز ناصر بنسبة كاسحة". وفي يناير 1956، يزور روبرت أندرسون، وزير الخزانة الأمريكي، مصر، ويعرض تمويل السد العالي مقابل الصلح مع إسرائيل. وفي العام نفسه، برز الخلاف المصري- الأمريكي بشأن تمويل السد العالي، ولكن الولاياتالمتحدةالأمريكية ساندت موقف مصر في مواجهة العدوان الثلاثي عليها، وساهم الموقف الأمريكي مع الموقف السوفييتي في إنهاء العدوان الثلاثي. وفي سنة 1959، عقدت الولاياتالمتحدة مع مصر اتفاقًا تبيع لها بمقتضاه قمحًا أمريكيًا بالجنيه المصري، وكانت مدة الاتفاق ثلاث سنوات وقيمته ثلثمائة مليون دولار، كما قدّمت واشنطن 300 منحة دراسية لطلاب مصريين يتلقون العلم في الولاياتالمتحدة. وفي سنة 1961، كان موقف الرئيس عبدالناصر واضحًا من تسوية النزاع مع إسرائيل، وأن السبيل لتسوية هذا النزاع هو رد الحق العربي. وتدهورت العلاقات بين مصر وأمريكا منذ عام 1965 بسبب مساندة واشنطن للعدو الصهيوني في نكسة 1967، إلى أن عادت مرة أخرى في منتصف السبعينات ووصلت لحد الشراكة والتعاون منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع الجانب الإسرائيلي أيام الرئيس السادات. ووصلت العلاقة بين البلدين إلى قمتها في عهد الرئيس الأسبق مبارك، وشملت الجوانب العسكرية والتجارية والثقافية، وخاضت مصر حرب تحرير الكويت من الغزو العراقي مع تحالف دولي تقوده واشنطن. وأيدت واشنطن خلع مبارك في ثورة 25 يناير وأشاد الرئيس الأمريكي أوباما بشباب الثورة قائلاً: "يجب أن نربي أبناءنا ليصبحوا مثلهم". وتعاون نظام الإخوان في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي مع أمريكا التي دعمت تيارات الإسلام السياسي في مصر بمليارات الدولارات، وأبدت واشنطن قلقها من عزل مرسي إلا أنها لم تصف تلك الخطوة ب"الانقلاب" ولكنها جمّدت جزءًا من مساعداتها العسكرية لمصر في أكتوبر الماضي، ما اضطر مصر إلى أن تتوجه إلى روسيا كبديل آخر.