سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عزبة «بجاتى».. قرية ترتدى السواد حزناً على 4 من المفقودين بالمركب الغارق في ليبيا والدة محمد جمعة: «نفسى أشوف ابنى حى أو ميت».. ووالده: أبلغنى وهو يبكى أن صاحبه ضاع منه فى المياه
4 شبان بعزبة بجاتى، بقرية الروضة مركز طامية فى الفيوم، خرجوا من أجل حلم بسيط، لا يريدون جمع المال ولا تكوين الثروات، كل ما يريدونه هو مسكن لائق وعيش كريم لهم ولزوجاتهم، ومن أجل هذا الحلم كان قرارهم بالسفر مثل كثير من شباب مصر، بحثاً عن لقمة عيش أفضل لهم. محمد جمعة، الشاب الذى يبلغ من العمر 23 سنة، والذى واجهته ظروفه المادية العصيبة، التى يعيشها هو وكثير من أهل قريته، قرر السفر حتى لو كان هرباً عن طريق الحدود من أجل لقمة عيش أفضل، وهو يحلم أن يوفر لزوجته وابنه القادم إليه بعد شهور قليلة حياة كريمة، بعد أن ظل 5 شهور يعمل فى التراحيل بالقاهرة، وهو الحاصل على دبلوم زراعى، وأنهى الخدمة العسكرية منذ سنة، ، ويسكن مع والده فى غرفة بالبيت. يحكى والد محمد جمعة، المحتجز حالياً لدى السلطات الليبية، عقب القبض عليه داخل المياه الإقليمية على الحدود الليبية صباح الأحد الماضى، تفاصيل مكالمة محمد لهم عقب القبض عليه لدى السلطات الليبية، من خلال هاتف عسكرى ليبيى داخل المكان المحتجز به، حيث إنه كان يبكى بكاءً شديداً وظل يصرخ ويقول «حسين صاحبى كان معايا وماسك فى إيدى وإحنا فى المياه وبعدها ملقتوش وفضلت أنادى عليه، لكن مفيش حد بيرد علىّ». ويكمل الرجل الخمسينى صاحب الوجه الأسمر، والذى يظهر على وجهه ويده مظاهر شقاء السنين قائلاً: «محمد طمنّا عليه وهو بيتكلم معانا فى التليفون وقال إنه كويس ولكن كان صوته تعبان جداً، ولا يستطيع الكلام كثيراً، ولم يقُل لنا سوى أنه كان على مركب ومعه صديقه حسين، وأن المركب غرق فى الساعات الأولى من يوم الأحد الماضى، وظل يسبح أكثر من 12 ساعة حتى وجدته السلطات الليبية، وقبضت عليه، ومن وقتها ولم نتصل به حتى الآن، ونتابع أخباره من خلال شاشات التلفاز»، وأضاف أنه لم يكن يعرف أن ابنه سيسافر مهرباً عن طريق الحدود، حيث أوضح أن محمد قال له ولوالدته: إن هناك شخصاً سيساعده هو وأصدقاءه على السفر، وأن كل واحد منهم سيدفع 3 آلاف جنيه لعمل التأشيرة والجواز للسفر إلى ليبيا. وتدعى والدته: «ربنا يرجّع لى ابنى بالسلامة، وحسبى الله ونعم الوكيل فى من ضحك عليهم وسفّرهم»، وتقول إن آخر كلمات قالها محمد وهو يتحدث معها قبل سفره «ادعى لى يا أمى إن ربنا يكرمنى فى سفرى»، وردت عليه «أنا قلبى وربى راضيين عليك ليوم الدين ده إنت اللى بتجرى علينا وعلى لقمة عيشنا.. ربنا معاك». وتتابع والدته: «من أول ما عرفت الخبر وأنا لا آكل، وأخوه هانى سافر له السلوم ولم يعرف عنه أى شىء حتى الآن.. وتنهار الأم الخائفة على ابنها باكية وهى تقول: «أنا عايزة أشوف ابنى بس لآخر مرة حى أو ميت.. المهم إنى أشوفه، حتى مراته من ساعة ما سمعت الخبر وهى راقدة تعبانة على السرير، من كُتر ما قعدت تصرخ على زوجها طوال الليل». يقول على شعبان صديق الطفولة وابن عم اثنين من الشبان ال4، «إنهم كان لديهم الأسباب الكافية التى تدفعهم إلى السفر خارج مصر، من أجل طلب الرزق فى مكان أفضل من هنا، لأن الظروف هنا صعبة جداً، وكل واحد فينا شغله باليومية»، ويستكمل حديثه، «أنه ظل طوال ليلة سفرهم ينصحهم ألا يتركوا زوجاتهم، لأنه لا أحد يعرف إيه ممكن يجرى، وإن مفيش كرامة لأى مصرى هناك، ولكنهم ظلوا على قناعتهم بالسفر ولم يستطع منعهم، فكان لدى كل واحد منهم أسباب تجعله لا يستطيع البقاء للعيش هنا. وقال على، الشاب العشرينى الذى يعمل فى التراحيل بمنطقة المعادى، «إن محمد أجرى مكالمة هاتفية مرة أخرى أمس الأول، عن طريق هاتف ابن عمه المقيم فى ليبيا، وقال لنا إنه كان ممسكاً بيد حسين لمدة 10 دقائق فى جوف الليل المظلم داخل البحر، وبعدها لم يره مرة أخرى، وأشار لنا إلى أن سبب الغرق كان نتيجة زيادة الحمولة على المركب الصغير الذى كان يحمل قرابة 40 شخصاً وأن عدد المراكب كانت 3 مراكب على متن كل واحد 40، حيث استقل هو وحسين مركباً، وأحمد وماجد (صديقاه الآخران) مركباً آخر، ولم يرَ أحدهم بعد أن تحركت المراكب داخل المياه»، وأضاف «إنهم أجروا الاتصال صباح أمس بابن عم محمد جمعة فى ليبيا، وقال لهم إن محمد ما زال يجرى التحقيق معه فى مدينة طبرق الواقعة على الحدود الليبية، ولا يوجد أى أخبار جديدة بخصوصه حتى الآن». حسين عبدالله، قصة شاب آخر من نفس القرية، كل ما كان يحلم به هو أن يبنى بيتاً لزوجته وابنه أدهم الرضيع، يبلغ حسين من العمر 22 سنة، ويعمل فى التراحيل بالقاهرة، بعدما كان يعمل على مدار 3 سنوات لدى استوديو بحلوان يمتلكه أخوه الأوسط، الذى طرده من العمل، ليجد نفسه بلا عمل أو مسكن له ولزوجته. ويبكى والده الجالس على كرسيه مريضاً بالشلل فى يده وقدمه اليمنى، إلى جانب إصابة عينه بالمياه البيضاء، ويقول «أنا مكنتش أعرف إن ابنى حسين مسافر عن طريق البحر، هو قال لى قبل ما يسافر إنه هيسافر علشان عايز يبنى بيت لمراته وابنه، لأن هو عايش فى بيت أخوه الكبير، ولايوجد له بيت يسكن فيه»، ويتمنى والده ودموعه تغطى وجهه، «نفسى أشوف حسين ابنى وإن ربنا يرجعه لى بالسلامة ولمراته وابنه». وتقول نسمة رضا زوجته التى لم تستطع التوقف عن البكاء حزناً على زوجها الذى لا تعلم عنه أى شىء، أن زوجها سافر إلى ليبيا «بحثاً عن عمل يجلب منه رزقاً أفضل حتى يبنى لنا بيتاً أنا وابنه»، وأنه قال لها قبل أن يسافر: «أنا عايز أسافر أكوّن نفسى وأجيب فلوس أبنى بيت ليكى ولابننا، وتضيف: أنا قلت له ما تسافرش وتتركنى أنا وابنك لوحدنا، ولكنه صمم على السفر، وقال: هناك فى ليبيا واحد صاحبه سيساعده على أن يجد فرصة عمل. وأضافت نسمة، «إن حسين سافر بعد العصر يوم الجمعة الماضى، واتصل بى على الهاتف فجر السبت من مرسى مطروح، وأبلغنى انه راجع ولن يسافر لأن الرجل المتفق معه أن يوصله، تراجع فى اتفاقه وأخبره أن الحدود بها «قلق»، ولن يستطيع أن يمرره من خلالها، فقلت له: «خلى بالك على نفسك وترجع لنا بالسلامة»، ولكنه اتصل مرة أخرى بعد ظهر السبت، وقال إنهم وجدوا رجلاً آخر سيدفع كل منهم له ألف جنيه وهيمر بهم عن طريق الحدود، ولكنه لم يقل لى إنه سيعبر عن طريق البحر، وانقطع الاتصال بعد ذلك ولم أعرف عنه شيئاً». وأكد محمود رضا شقيق الزوجة، أن حسين كان يفكر فى السفر منذ فترة طويلة، لأن حياته هنا أصبحت صعبة ولا يقدر على العيش دون بيت لزوجته وولده، وأضاف أنه نصحه بعدم السفر بهذه الطريقة لخطورتها، لكنه أصر قائلا إنه مسافر من أجل أسرته، وحتى يؤمن مستقبل ابنه، وأن السفر الحل الوحيد أمامه. وتابع أن السفر تأجل أكثر من مرة نظراً للظروف المحيطة بالحدود، حتى سافر مساء الجمعة الماضى، وجاءت لنا الأخبار أنه غير معلوم مكانه حتى الآن.