بدأت رحلتي من دمياط إلى القاهرة عن طريق السوبر جيت، ثم ركوب المترو محطتين إلى وزارة الصحة، كانت المرة الأولى لي التي أذهب فيها إلى وزارة الصحة، بعد ذلك تكررت المرات وكل مرة كانت بخناقة. ذهبت إلى إدارة التكليف لتقديم الطلب قالوا لي ادخل الأول للدكتور سيد عبد الحافظ قبل ما تقدم أي طلب. الدكتور سيد عبدالحافظ هو مدير الإدارة العامة للتكليف، وكنا نسمع عنه منذ أمد بعيد على أنه "وحش التكليف" والمتحكم في مصائر أطباء التكليف الوظيفية، تخيلته كوحش كبير بثمانية أذرع يلتهم 3 أو 4 أطباء تكليف مناطق نائية على الفطار. طرقت الباب حتى "كل متني، فلما كل متني"، لقيت واحد بيفتحلي لابس بدله صيفي، خشن الملامح والصوت، قاللى عايز ايه؟، قولت له عايز أقابل الدكتور سيد، قالى طب إسطنى صوانى "إستنى ثوانى يعني". بعد نصف ساعة كاملة، دخلت متوجسا على الدكتور سيد فوجدته يمسح فمه بعد أن التهم طبيب التكليف الرابع على ما أظن هذا اليوم، وبدون أن يرفع رأسه من الورق سألنى بكلمات مقتضبه: خير!، قولت له حضرتك أنا عايز أنقل تكليفى، قال لي روح استلم الأول وبعدين تعالى انقل، قولت له أنا سماح مجموع، ليه اروح استلم واخلى وادخل فى التعقيدات دى؟، انا من حقي أنقل فى ضوء سماح مجموعى، قال لى طب قدم طلب وتعالى أسأل عليه كمان أسبوعين، المهم إختصارا يعنى قدمت الطلب واتوافق عليه وخدت ورقة من الوزارة أطلع بيها على بلطيم عدل أستلم. بعد يومين راحة قلت أما أروح كده أتفقد بلطيم، رحت بالعربية مستقلا الطريق الدولي، البحر على اليمين، والصحراء على الشمال، قلت يا سلام أى حاجه فيها بحر أنا راشق وان شاء الله شكلنا داخلين على "أيام فله". بعد 20 كم تقريبا من "جمصة" بدأت تتكاثر الأكشاك الخوص لبائعي البطيخ الذى يشتهر به هذا الخط جدا وخصوصا أننا كنا فى النصف الأخير من شهر أبريل وقفت على جنب وقلت أما أنزل أسأل. - السلام، عليكم ياحاج، لو سمحت بلطيم أروحها إزاي؟. -أجابني بلهجه تختلط فيها السواحلية على لغة أهل القرية على حبه صعيدنيات: معاك عربيه ولا مواصلات، - الحقيقه ذهلت، لأنى لسه نازل من العربية قدامه بس قلت جايز مخدش باله: لأ أنا معايا عربيه. - قال لي: كويس جدا، أنت هاتركب أى عربيه ربع نقل معديه فى الصندوج من ورا وتجوله نزلنى بلطيم وهو هاينزلك. - قولت له: طب لو انا معايا عربيه اللى هى واقفه دى. - قال لى: ده كده يبقى كويس جوى جوى، أنت هاتركب أى عربيه ربع نقل معديه فى الصندوج من ورا وتجوله نزلنى بلطيم وهو هاينزلك. أدركت بعدها أنني لو وقفت ليوم الدين أتحاور مع الرجل مش هاوصل معاه لحاجه، شكرته جدا وفهمت من الراجل بصعوبة إنى هامشى طوالى يجى حبه حلوين كده ومشيت شويه كده ولقيت يافطه بتقول بلطيم 35 كيلو وبعد المسافه المذكوره وجدت مدينه بلطيم يخترقها الطريق الدولى قاسما اياها الى نصفين، يمينا بلطيم المصيف وهى تشبه على حد كبير جمصه، ويسارا البلد وهى تشبه إلى حد كبير مدينه شربين الدقهليه. وصلت بلطيم وسألت على الإداره الصحية، كان مبنى قديم مصفر متهالك استباح البط والقطط فنائه فاتخذوه مرتعا، يتحركون فيه بكل حريه، سألت على مكتب مدير الإداره، سألنى أحدهم: أنت مين؟. - قولت له: أنا دكتور تكليف وعايز أسأل على شويه حاجات، فين بقى مكتب مدير الإداره. - قال لى: لا سيبك بلا مدير إداره بلا بتاع، عليك وعلى الأستاذ عبد الشافى هو هنا الكل فى الكل. - قولت له: وده يبقى مين؟. قال لى: ده سكرتير مدير الإداره، قابلته واتكلمت معاه، نظر لى من أعلى إلى أسفل متفحصا، الشاب الورور الجديد اللى جاى للخيه برجليه. -بادرته سائلا: الا ايه الوحدات اللى موجوده فى بلطيم؟. - قال لى: كتير. - قولت له: طب ايه اللى فاضى منها. - قالى كتير. - قولت له: طب مدير الإدارة قدامه قد ايه عما يجى؟. - قال لى: كتير - تفحصت الرجل مليا، وقلت له: لا كده كتير يا أستاذ عبد الشافى، علمت بعد ذلك أنها طبيعه السواحليه بصفه عامه وأهل بلطيم تحديدا، العمل بمبدأ إشترى ما تبيعش، يعنى تجيب أخر أخرك فى الكلام قبل مايفيدك بأى معلومة،أنتظرت حوالى نصف ساعه، قابلت مدير الإداره. - قلت له: طب أنا لو استلمت هاتوزع فين. - قالى: أنت منين؟. قولت له: من دمياط. - وبعد تبادل الإشارات والغمز واللمز مع الإستاذ عبد الشافى من وراء ظهرى، قال لى: قدامك مكان من اتنين إما وحده "الدعاه" أو "المقصبه". شكرته جدا على وعد بالاستلام القريب وقلت هاروح بقى ألف لفه على الوحدات، وأشوف الأحسن إيه وأروحها، وكالعاده كنت ساذجا الى أقصى درجة.