منذ أن اُكتشف خام الفوسفات في أبو طرطور عام 1968، والحديث لا ينقطع عنه. في البداية كان أغلب الناس مؤيدين لفكرة المشروع، حتي أن البعض أعتبرة مشروع قومي، ويجب الإلتفاف حولة. ثم تغير الحال مع إستشعار الجميع أن المشروع لا يمكن له أن يتحمل كل القدر من السلبيات المحيطه به، وأصبح عبء ثقيل علي الإقتصاد المصري، حتي بلغت تكلفة البنية التحتية التي تم تنفيذها مع أضافة فوائد الدين، الى ما يزيد عن 11 مليار جنية. كيف كان ذلك؟ بعد أكتشاف الخام وبعد أن انتهت الدراسات الإستكشافية بمساعدة الإتحاد السوفيتي، وبعد دراسات فامت بها شركة سوفرامين الفرنسية وتكلفت عدة ملايين من الجنيهات، أضحي واضحا أن مقدرات الخام في الهضبة عملاقة وأنها تكفي لأكثر من قرن، وتدفع مصر لأن تكون أحد الدول الهامة في إنتاج الفوسفات. وجاء دور الإستخراج. أثبتت الدراسات، والتي كان ينبغي أن تتم قبل إنشاء البنية التحتية وليس بعدها، أن التتابع الرسوبي ليس به صخور صلبة تصلح لأن تكون سقفا أمنا للمناجم التحت سطحية. مرة أخري الدراسات الغير دقيقة، برهنت أن من الممكن ترك المتر العلوي من الخام الذي يصل متوسط سمكه حوالي 5 متر ليقوم بوظيفة السقف. بدأ العمل في المناجم التي سميت "تجريبية" لتثبت أن التشغيل التحت سطحي غير أمن، وقد يصل إلي مستوي غير ممكن. فخام الفوسفات في الهضبة ليس شديد الصلابة ويعلوه طفلة سوداء يصل مجمل سمكها أكثر من 100 متر، وهي الأخري ليست شديدة الصلابة، والهضبة إجمالاً متأثرة بالعديد من الصدوع. والمؤكد أن خام الفوسفات وما يصاحبه من طفلة سوداء يحتويان علي نسب عالية من المواد العضوية والبيريت (كبريتيد الحديد)، اللذين يتأكسدان عندما يتعرضا للهواء الذي يتسرب مع فتح أنفاق المنجم. ولأن الأكسدة تنتج حرارة وتسبب نقص في الحجم، كان العمال يشتغلون في جو عالي الحرارة، مع حدوث إنهيارات لنقص الحجم وأيضا لعدم وجود سقف قوي يتحمل ثقل التابع الصخري الكبير. سلسلة طويلة من الأخطاء التي يجب أن يسأل عنها كل من أقرها، بداية بالموافقة علي إنشاء بنية تحتية عملاقة قبل أي إنتاج فعلي، إلي إختيار خاطئ لميكنة الحفر والتي لاتناسب الخام أو طبيعة الهضبة، إلي التدعيم بأقواس من الفولاذ لتدعيم أسقف الأنفاق الغير مستقرة، حتي أن ثمن الفولاذ كان أعلي من ثمن الخام المنتج، إلي أختيار أساليب تركيز غير مناسبة مثل تقنية التعويم، والتي تعتمد علي الماء في منطقة أهم صفاتها ندرة المياه، وأسلوب نقل الخام من المنجم إلى مصنع التركيز بميكنة السيور الدوارة المكلفة جدا في صيانتها، إلي إنشاء قرية سكنية للمهندسين والخبراء ولم يسكن أي منها إلى يومنا هذا، وغيرها من تراكمات سوء الإدارة. حتي كان قرار الإغلاق وهو في زعمي قرار صائب، ليس لعيوب الخام أو الهضبة ولن لوقف نزيف سوء التخطيط والإدارة. ما يتم الأن في الهضبة، هو أحد المسكنات المقبولة، وهو إستخراج الخامات السطحية، والتي تمثل أقل من 5% من مجمل الإحتياطي بالهضبة. وهذا الأسلوب نجح في توفير رواتب للعاملين ورفع معدل تصدير الخام. في ظني، كأحد من شاء لهم القدر أن يقضي جَل عمره في دراسة خام الفوسفات، ما هو السبب الأول لكارثة الإنهيار الإقتصادي لمشروع أبو طرطور، والذى كلف المصريين أكثر من 11 مليار جنيه، بسعر الثمانينات، لقلت أن السبب هو النظر للمشروع وللهضبة علي أنها فوسفات وليس أي شي أخر سوي الفوسفات. واقع الحل يدلنا علي أن خام الفوسفات يتواجد علي أكثر من مستوي، و يتبادل مع طبقات من رواسب أخري مثل صخور الجلوكونيت، والذي هو أعلي قيمة وأغلي سعرا في السوق العالمي من الفوسفات. لم تشغل وفرة هذه الصخور الهامة بال أحد. يوجد في التتابع الصخري للهضبة حوالي مترين من الجلوكونيت العالي الجودة والذي يستخدم في العديد من الصناعات، منها البويات (اللون الأخضر)، ومخصب بوتاسيوم وحديد للتربة الزراعية، ومزيل للروائح للحيوانات الأليفة، وغيرها من الإستخدامات. وتوجد كميات أكبر من الجلوكونيت المتوسط الجودة. قد لا يعلم الكثير من الناس أن هضبة أبو طرطور وإمتدادها غربا حي هضبة الموهوب غرب الداخلة، هي خزان عملاق لمعدن البيريت (كبريتيد الحديد) والذي كان يستخدم قديما لإنتاج حمض الكبريتيك، والعادم الذي يتبقي منه هو في الواقع خام حديد. يوجد في الهضبة مترين من الطفلة السوداء، ثلث وزنهما بيريت. كما يوجد 11 متر من نفس الطفلة تحتوي علي 14% بالوزن بيريت، وأن فصل البيريت الأثقل وزنا والأعلي مغناطيسية من معادن الطفلة (الطين) الأخف وزنا والعديمة الجاذبية المغناطيسية، هو أمر ممكن علي المستوي الإقتصادي. هضبة أبو طرطور مغطاه بالكامل بصخور الحجر الجيري، والذي يعرفة الجيلوجيون بإسم مكون كركر، لآن السمك الأكبر له تم رصده في واحة كركر جنوب الخارجة. أثبتت التحاليل التي أجريت علي هذا الحجر الجيري علي وفرة النوع الفائق النقاء، حتي أن نسبة كربونات الكالسيوم تزيد عن 99.7 % ، الأمر الذي يرشحه ليكون مصدر لإنتاج النانوكربونات والتي تستخدم في العديد من الصناعات الحديثة. كما أن كل المواد الخام اللازمة لصناعة الأسمنت البورتلاندي متوفرة بكميات تكفي لقرون قادمة. كما يمكن الأعتماد علي الهضبة في إنتاج وتصدير الرخام الذي يعرف باسم "الجلالة" وغيرها من مصادر الثروة المعدنية. إذا كان الله قد وهبنا العديد من الثروات المعدنية في ذات المكان، هل يصح أن نري خام واحد ونغمض العين عن ما سواه. ثم هل يحق لنا عندما نكتشف أن إستغلال هذا الخام غير ممكن، نتيجة لسوء إدارة بلا حدود وبلا مسائلة وبلا رقيب، أن نولول ونتهم الهضبة بالفشل. لماذا لا نعترف أننا الفشلة وليست الهضبة، لماذا لا نعيد تقييم ما فاء الله به علينا من خير وفير في هذا التتابع الرسوبى الرائع، ونوظف كل ما يمكن تشغيله في صورة تكاملية تعكس روح التحدي والرغبة في البناء. إن هضبة أبو طرطور هي مكان مثالي لإقامة مجمع للصناعات أهمها حمض الفوسفوريك وسماد الفوسفات، و حمض الكبريتيك، ومخصبات البوتاسيوم والحديد، والأسمنت البورتلاندي والنانوكربونات وأحجار البناء والزينة وغيرها. إن عدم تشغيل الهضبة أدي إلي اهمال خط السكة الحديد الذي اَنشئ من ميزانية المشروع، مما أدي إلي سرقة أغلبة في الثلاث سنوات الأخيرة. إذا كنا نريد الحياه بكرامة في أرضنا التي لا نرعاها حق رعايتها، فعلينا إعادة تقييم ما في الهضبة من ثروات، أحدها وليس أهمها هو الفوسفات. لا نحتاج لإنشاء محاور تنمية جديدة، فلدينا محاور أنشئت من قوت شعب مصر منذ عشرات السنوات ومعها بنية تحتية جيدة تركت ولم تنمي نتيجة لأكثر أمراضنا قسوة وهو سوء الإدارة.