حدثت طفرة في إنتاج خام الفوسفات في مصر عام 2012 ، حيث بلغ ما تم تصديره أكثر من 4.7 مليون طن، بينما كان المعدل أقل من نصف ها الرقم في العام الذي يسبقه. هذه الطفرة في الإنتاج والتصير مرجعها إلى أستغلال الأسطح المكشوفة من هضبة أبو طرطور في الوادي الجديد. ولكن، لأن أبو طرطور كثر حولها اللغط وتعددت الأراء، فدعوني أبداء منذ أن أكتشفت المساحة الجيولوجية المصرية خام الفوسفات لأول مرة عام 1968. كان ذلك حدثا علميا مدوياً، لأن الخام يتواجد بسمك غير مسبوق في مصر، يصل إلي 9 أمتار، وعلي درجة جودة 27% خامس أكسيد الفوسفور(درجة الجودة تقاس بقيمة تركيز خامس أكسيد الفوسفور). إستحق الكشف أعمال حفر مكثفة ، قامت بها بعثة جيولوجية سوفيتية بالمشاركة مع فريق عمل رفيع المستوي من خبراء المساحة الجيولوجية المصرية، حيث تم حفر عدد 370 بئر في الهضبة لتقييم إمتداد الخام وجودته. توصلت الدراسات إلى أن القطاع الجنوبي الشرقي من الهضبة، وهو المعروف بأسم قطاع المغربي-الليفية هو الأغني، حيث يصل أحتياطي الخام أكثر من الف مليون طن. بنيت إسترتيجية إستغلال الهضبة علي هذا التقييم، والذي يعني إنتاج حوالي مليون طن شهرياً لمدة قرن كامل. برهنت عمليات التشغيل في المناجم التجريبية أن طرق الإستغلال التحت سطحي عن طريق مناجم لن تنجح في هضبة أبو طرطور. الأسباب الفنية لذلك تتلخص في الأتي: أولاً، لا يوجد صخور صلبة فوق الفوسفات تصلح كسقف للمنجم، فما فوق الفوسفات هي طفلة طينية هشة، ولهذا ترك جزء من الخام ذاته ليقوم بوظيفة السقف، غير أن الخام غير صلب بما يكفي لتحمل غطاء صخري يزيد علي 200 متر. لذلك تكررت الإنهيارات في المناجم واستشهد العديد من العمال. تمت الإستعانة بدعائم فولاذية حتي أن سعر هذه الدعائم كان يزيد أحيانا عن سعر الخام المستخرج. ثانيا: الخام في الهضبة ،وكذلك طبقات الطين المتداخلة معه ،تحتوي علي نسبة عالية من المواد العضوية ومعدن البيريت، وهما يتأكسدان عند ملامسة الهواء من فتحة المنجم، وهذا يكون مصحوبا بنقص في الحجم ،ومزيدا من عدم الثبات للمنجم. من كل ماسبق يمكن إستنتاج أن الخام موجود بلا أدني شك ، وأن إحتياطي الخام يكفي لأكثر من قرن، ولكن لا يمكن الحصول عليه. عندما أدركت الإدارة هذه الحقيقة ،صدر قرار الإغلاق وإعلان إفلاس المشروع. وفي يقيني أن هذا القرار كان حكيماً، وأن كان متأخرا كثيراً،، إضافة لفشل الإستخراج التحت سطحي. كابد خام أبو طرطور صعوبات حقيقية في البداية، متمثلة بوجود معادن غثة وغير مرغوب فيها ويصعب فصلها مثل معادن البيريت والدلوميت ومعادن الطين. غير أن التجارب والمحاولات نجحت في النهاية. ولو أننا نملك في مصر "كود" موحد لمواصفات الخام كغيرنا، لكان خيراً لنا. فهو يممكنا من خلط خامات وادي النيل مع خامات البحر الأحمر وأبو طرطور لنحصل علي خليط مقبول المواصفات من الجميع. فمئلا، نسبة معادن الطين والبيريت العالية في خام أبو طرطور، ستنقص حتماً عندما يخلط مع خامات وادي النيل والبحر الأحمر، والتي ليس بها إلا النذر القليل من هذه المعادن. بعد أن تقرر وقف الأعمال التحت سطحية ، لعدم جدواها وخطورتها الشديدة علي العاملين بها، لم يكن أمام إدارة المشروع غير أن تكشط الخامات الظاهرة أو التي فوقها سمك صغير من الرواسب. نجحت الفكرة في توفير أكثر من مليون طن سنويا. ومن الممكن أن يستمر الحال علي ما هو عليه لسنوات عديدة قادمة. ولكن علينا أن نتذكر أن حجم الخام المتاح بهذه الطرق السطحية لا يزيد عن 5% من مجمل الأحتياطي بالهضبة. ولكن يبقي السؤال، هل هذا هو كل المأمول من هضبة أبو طرطور. قال لي أحد خبراء التعدين المصريين، مشروع أبو طرطور مات وإنتهي، وإكرام الميت دفنه. غير أن لي أعتقاد أخر، وهو أن مشروع أبوط طرطور مازالت الدماء تجري في عروقه، وأن الموتي والذين يحق دفنهم, هم المحبَطِين والمحُبطين، الذن لا يستطيعون تميز الخير الوفير الذي وهبه الله لنا ليس فقط في أبو طرطور ولكن في كل الوادي الجديد، لذلك حديث أخر إن شاء. * الأستاذ المتفرغ بكلية العلوم بجامعة القاهرة