حسرة وصراخ وقلة حيلة مُمتزجة بحزن كبير انتابت كل من شاهد أمس (الجمعة)، الحريق الهائل الذى التهم العشرات من المخازن والمحلات التجارية بعمارة الشابورى القائمة بشارع بورسعيد بمنطقة الموسكى، صافرات سيارات الإطفاء لا تتوقف، واحدة تلو الأخرى، من أجل إخماد الحريق على مدار اليوم، وحركة لا تهدأ من كل الحضور، سواء المتضررون من الحادث أو المارة الذين حرصوا على متابعة الحريق وتصويره، سيارات الإسعاف تمركزت بطول شارع بورسعيد يُعالج رجالها المصابين بحالات الاختناق، مشهد استمر حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالى، قضت خلاله ألسنة النيران على المبنى بالكامل وما فيه من بضائع تُقدّر بملايين الجنيهات. حالة من الركود سيطرت على البيع والشراء.. و«وائل»: حالنا واقف طول اليوم.. و«سالم»: جايبين البضاعة بالديون «الطف يا رب.. الطف يا رب»، رددها أحد أصحاب المحلات الشهيرة فور وصوله إلى مكان الحريق ومشاهدته النيران وهى تلتهم عمارة الشابورى بالموسكى، صدمة كبيرة لأصحاب المحلات والمخازن جعلتهم يُشاهدون ما يحدث فى ذهول، حيث جلس أحمد سالم، 46 عاماً، صاحب أحد محلات الملابس بالشابورى، ليلاً على أحد المقاهى برفقة مجموعة كبيرة من أصحاب المحلات المتضرّرة، يتشاورون فى ما حدث على مدار اليوم وأسبابه وعما سيفعلونه بعد ذلك، قائلاً بنبرة حزينة: «الناس اللى اتخرب بيتها هى اللى اتحركت علشان تطفى الحريق وتلحق اللى تقدر عليه بإيديها». يتساءل «سالم»: كيف تغيب عن سوق بحجم الموسكى عوامل الحماية والأمان من مثل تلك الحوادث؟ متابعاً: «ليه محدش بيلزم المحلات التجارية والمخازن بحنفيات للحريق، واللى مابيلتزمش تتطبق عليه غرامة»، يصمت «الرجل الأربعينى» برهة يلتقط أنفاسه، ويستكمل حديثه، قائلاً بنبرة غاضبة: «إحنا بيوتنا كلها اتخربت، وأهو كنا مستنيين نبيع اللبس الصيفى علشان نعوض الخسارة بتاعة الشتوى، لكن فى لحظة البضاعة كلها راحت، وخلاص الموسم راح علينا، ده رمضان يوم الاتنين، وكلنا جايبين البضائع بالديون، لكن خلاص العمارة كلها اتدمرت والبضاعة اتفحمت». بملابسه المُلطخة بالدماء وانتشار الكدمات بمناطق متفرقة من جسده، وقف مصطفى على، 24 عاماً، أسفل كوبرى المشاة المُقابل للمبنى المحترق يتابع عن قُرب ما وصل إليه الحريق، لا يُصدّق ما حدث، يلتقط أنفاسه بعدما خلع ملابسه فور اندلاع الحريق، وصعد إلى المبنى من أجل حماية من كان به، وضمان مغادرة الجميع بسلام، قائلاً: «الحريق بدأ فى محل واحد للملابس، وبعد ذلك وصل إلى باقى المحلات، وكان كل همنا إننا نطلع الناس من جوه، لأن النهارده الجمعة، والدنيا كانت زحمة». وعلى بُعد أمتار قليلة من الحادث، وتحديداً فى الجهة المقابلة للمبنى المحترق، يقف محمد حسين، 33 عاماً، على مدخل محل النجف الذى يعمل به، يُتابع هو الآخر ما وصل إليه الحريق، يحكى عن بدايته، قائلاً: «كان معايا زبون فى المعرض اللى فوق المحل، وشُفت بعينى النار اللى انتشرت فى العمارة كلها فى أقل من 5 دقائق»، موضحاً أن النيران اندلعت فى الواحدة ظهراً، وأن سيارات الإطفاء أتت عقب مرور 15 دقيقة، مضيفاً: «حوادث الحرائق بتتكرر سنوياً، لكن دى أول مرة تبقى بالحجم ده». أثر الحريق على حركة البيع والشراء بالموسكى بالكامل، وسيطرت حالة من الركود التام بالمنطقة، فبعض أصحاب المحلات أغلقوا الأبواب وغادروا، وآخرون ظلوا بمحلاتهم يتابعون الحادث، حيث بدأ وائل على، 40 عاماً، يعمل بأحد محلات الجلود، فى رفع البضاعة، استعداداً لغلق الأبواب، قائلاً: «حالنا واقف خالص من أول اليوم بسبب الحريق، وده كان المفروض يوم جمعة، وبنقعد نستناه طول الأسبوع علشان بييجى لينا زبائن من الأقاليم». يصمت «وائل» قليلاً، ثم يستكمل حديثه: «الفترة اللى قبل رمضان والعيد دى الموسم بتاعنا، بس للأسف مفيش أى زباين جت خالص، واليوم انضرب»، موضحاً أن السبب فى ذلك هو غلق شارع بورسعيد بالكامل فى الاتجاهين، باب الشعرية وحتى مديرية أمن القاهرة.