وسط صخب الأقدام التي تدب الأرض بكل قوة باحثة عن كتاب تجد فيه متعة النفس البشرية، تمشي أقدام أخرى بحذر تهب الأماكن التي تخطوها، تبحث عن كتاب يغذي عقلها أو ربما بعض المتعة، كم هو قاسي أن تذهب وتجيء وسط صخب باعة "الأزبكية" حيث "الثلاثة بعشرة"، ولا تقوى على أخذ حتى كتاب واحد منها. طريقة "برايل" هي مجال البحث، لا يوجد خيمة واحدة أو ناشر واحد مهتم بالقارئ الكفيف، ولا توفر الدولة لهؤلاء متعة شراء كتاب في مهرجان القراءة للجميع، ليكون شعار كل من هو كفيف محب للقراءة "القراءة للجميع إلا الكفيف". وسط تلك الحالة من الإحباط والشعور باليأس، تبدو لوحة طولية كبيرة على مدخل خيمة 2 بمعرض الكتاب، بصيص من الأمل يداعب قدم الكفيف، حينما يقرأ له مرافقه "مشروع الكتاب الملموس.. طريقة برايل.. الثقافة تحت أطراف أصابع كل كفيف"، يهرول الكفيف إلى الخيمة التي، وبعد عناء البحث، تقدم كتب للمكفوفين تحت رعاية جمعية "مزايا" لذوي الاحتياجات الخاصة. لم يكن هذا العام هو الأول للجمعية في معرض الكتاب، بل شاركت في 4 دورات سابقة بحسب قول رئيس مجلس إدارتها محمد حسن الزياتي، الذي يقدم هذا العام مجموعة جديدة من الكتب المنوعة للمكفوفين، "مشاركتنا السنة دي في المعرض كان لها طابع خاص، لإن بقى فيه مطالب كتير بتفعيل عملية دمج المعاقين في المجتمع، وعشان كده قررنا إن الجناح بتاعنا ما يبقاش فيه كتب بس للمكفوفين لكن كمان كتب للقراء العاديين". الكثير من دور النشر الكبرى لم تلتفت لمشروعه، وكل ما فعلته الدولة هو إعطاءه مكانًا داخل أرض المعرض ليؤسس به جناحه، "كل الكتب اللي عرضناها عندنا كانت بمجهود الفريق اللي بيشتغل في الجمعية، وطالبنا الهيئة العامة للكتاب بإنها تخصص لنا مكان يكون قريب من دور النشر الكبيرة عشان نتشاف، بس لقيناهم حطونا في مكان شوية بعيد ويمكن ناس كتير ما تأخدش بالها مننا". وقرر الزياتي، الذي أسس جمعية "مزايا" للمكفوفين منذ 5 أعوام، ألا يتوقف عند مجرد التواجد داخل المعرض، بل قرر أن ينشر متطوعيه داخل صالات المعرض، ويوزعون الكتيبات الخاصة بالجمعية، ويروجون لفكرة الكتاب الملموس ويجتذبون المكفوفين أينما وجدوا، "السنة دي كان عندنا تحدي إننا لازم نظهر في وسط كل الموجودين، وقدرنا في نهاية المعرض إن تكون نسبة الإقبال 5 أضعاف المكفوفين اللي كانو بيجولنا السنين اللي فاتت". فكرة جديدة طرأت على مخيلة الرجل الكفيف، الذي قرر أن يفعل حملة "خلي عندك دمج" بشكل أوسع، فخرج بمنتج مزدوج لكلا الطرفين الكفيف والمبصر، وهو عبارة عن كتاب حكايات به رسوم للأطفال، يستطيع المبصر أن يقرأه ويشاهد رسومه، كما يمكّن الكفيف من الاستمتاع بالقراءة في سنواته الأولى، وهو كتاب مطبوع بالطريقة العادية، تم لصق عليه "ستيكر" شفاف بطريقة "برايل"، مطبوع به حكايات الكتاب تمكن الكفيف من لمسه وقراءة محتوياته بسهولة، بحيث لا تحتكر طريقة "برايل" على الكتب علمية للكبار فقط، وبالكتاب أيضًا ميزة أخرى، وفقًا ل"الزياتي"، وهي إذا كانت الأم كفيفة أو الأب، فيستطيعان حينها، تعليم أولادتها القراءة في سن مبكرة. الكتب التي عرضها جناح المكفوفين في معرض الكتاب، تنوعت ما بين الدينية والأدبية، وكتب التنمية البشرية وقصص الأطفال، وتعاونت معه مجموعة من دور النشر في مصر والوطن العربي، مثل دار الفاروق، ودار العلوم، ودار الأدب الإسلامي، ودار شمس، كما عرض قسما خاصًا للكتب المسموعة، ولم يغفل الكتب التي تناقش القضايا السياسية المعاصرة والحديثة تتصدرها أعمال الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل وعادل حمودة، "كان لازم نقدم مجموعة كتب جديدة مش مطبوعة قبل كده، وما لجأناش للكتب اللي طبعتها مؤسسة قصر النور اللي متعودة تطبع الكتب بطريقة "برايل"، لأن المكفوفين قروها من سنين". حقوق النشر هي ما حالت دون طبع الزياتي لمئات الكتب، التي يسهل وصولها لإيدي العامة من المواطنين في حين يعتبرها المكفوفون حلما صعب المنال، والكرة في ملعب وزارة الثقافة ، فالوزارة ممكن تتبنى مشروع الكتاب الملموس على غرار اللي عملته في مكتبة الأسرة، أو تدعم كتب "البرايل" المطبوعة ماديًا، والهيئة العامة للكتاب تتولى الأمور الخاصة بحقوق النشر والطباعة الخاصة بدور النشر، ولو لم يكن في أمل في الجهات الرسمية أملنا في رجال الأعمال اللي ممكن يتولوا مشروع عمل مطبعة خاصة بالمكفوفين تطبع لهم كتب في كل المجالات، بدل ما كل 10 سنين وأكتر ممكن يقروا كتاب أو كتابين جداد".