حالة كبيرة من الجدل، تسببت بها تصريحات الشيخ رمضان عبدالمعز أحد علماء الأزهر الشريف، التي قال فيها إنّ الفتاة التي لا تتزوج في الحياة الدنيا تعتبر من الشهداء يوم القيامة ويكرمها الله على صبرها، وذلك خلال حلقة برنامجه "لعلهم يفقهون" المذاع على قناة DMC تصريحات عبدالمعز التي استشهد فيها بالحديث النبوي: "الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله، فذكر المطعون، والمبطون ، والغرق، وصاحب الهدم، وصاحب ذات الجنب، والحرق، والمرأة تموت بجمع.. والفتاة البكر"، هي الأولى من نوعها التي يتحدث فيها عالم دين. ووفقا لحديث روي عن عبادة بن الصامت، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عاد عبدالله بن رواحة فما تحوز له عن فراشه -أي تنحي- فقال: "أتدري من شهداء أمتي؟، قال: قتل المسلم شهادة، قال: إنّ شهداء أمتي إذن لقليل، قتل المسلم شهادة، والطاعون شهادة، والمرأة يقتلها ولدها جمعاء"، ومعنى يقتلها ولدها جمعاء، أي التي تموت وفي بطنها ولد، أو الفتاة التي لم تتزوج، لكن علماء الدين أكدوا أنّ الأرجح في الحديث المرأة التي تموت وفي بطنها ولد. بدورها، حسمت دار الإفتاء المصرية الجدل، بفتواها عبر موقعها الإلكتروني في القسم الخاص بالفتاوى، إذ أوضحت أنّ المرأة التي لم تتزوج وتقدم بها العمر فصبرت على ذلك لها ثواب الشهيد؛ وذلك على تفسير بعض العلماء للجَمْعاء بأنّها من تموت بِكرًا، والمعنى أنّها ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصلٍ عنها من حملٍ أو بكارة. فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَبْرٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَادَ جَبْرًا رضي الله عنه، فَلَمَّا دَخَلَ سَمِعَ النِّسَاءَ يَبْكِينَ وَيَقُلْنَ: كُنَّا نَحْسَبُ وَفَاتَكَ قَتْلًا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ: «وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ إِلَّا مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ! إِنَّ شُهَدَاءَكُمْ إِذًا لَقَلِيلٌ! الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللهِ شَهَادَةٌ، وَالْبَطْنُ شَهَادَةٌ، وَالْحَرَقُ شَهَادَةٌ، وَالْغَرَقُ شَهَادَةٌ، وَالْمَغْمُومُ -يَعْنِي الْهَدِمَ- شَهَادَةٌ، وَالْمَجْنُونُ شَهَادَةٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدَةٌ» أخرجه ابن ماجه في "سننه". وقال العلامة أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطَّأ" (2/ 27، ط. دار السعادة): [«وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ» قِيلَ: إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ تَمُوتُ بِالْوِلَادَةِ، وَقِيلَ: إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَمُوتَ جَمْعَاءَ بِكْرًا غَيْرَ ثَيِّبٍ لَمْ يَنَلْهَا أَحَدٌ، وَهَذِهِ مِيتَاتٌ فِيهَا شِدَّةُ الْأَمْرِ، فَتَفَضَّلَ اللهُ تَعَالَى عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ جَعَلَهَا تَمْحِيصًا لِذُنُوبِهِمْ زِيَادَةً فِي أَجْرِهِمْ حَتَّى بَلَّغَهُمْ بِهَا مَرَاتِبَ الشُّهَدَاءِ] اه. وقال العلامة ابن عبد البر في "الاستذكار" (3/ 69، ط. دار الكتب العلمية): [وَأَمَّا قَوْلُهُ: «الْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجَمْعٍ شَهِيدٍ» فَفِيهِ قَوْلَانِ؛ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْمَرْأَةُ تَمُوتُ مِنَ الْوِلَادَةِ وَوَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَمُوتُ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ وَتَطْمِثَ. وَقِيلَ: بَلْ هِيَ الْمَرْأَةُ تَمُوتُ عَذْرَاءَ لَمْ يَمَسَّهَا الرِّجَالُ] اه. وقال المُلَّا علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (3/ 1132، ط. دار الفكر): [ وَمِنْهَا -أي أسباب الشهادة-: صَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ، وَالْحَرِيقُ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ أَيْ: فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ، وَقِيلَ: تَمُوتُ بِكْرًا] اه. وقال الإمام سراج الدين ابن المُلَقِّن في "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (17/ 460، ط. دار النوادر): [والجُمْعُ: بضم الجيم وفتحها وكسرها، والضم أشهر -كما قَالَهُ الإمام النوويُّ-، وفيه قولان: أحدهما: المرأة تموت من الولادة، وولدها في بطنها قد تم خلقه، قَالَ مالك: وقيل: إذا ماتت من النفاس فهي شهيدة؛ سواء ألقت ولدها وماتت، أو ماتت وهو في بطنها. والثاني: هي التي تموت عذراء قبل أن تحيض، لم يمسَّها الرجال] اه. وقال الشيخ أبو إسحاق ابن قرقول في "مطالع الأنوار على صِحاح الآثار" (2/ 138، ط. دار الفلاح): [و«الْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ» بضم الجيم، وقد روي بالفتح وبالكسر، وكله صحيح، ومعناه: تموت بحملٍ قد اجتمع خَلْقُه في بطنها. وقيل: بل من نفاسٍ. وقيل: بل تموت بِكرًا لم تُفتض. وقيل: صغيرةٌ، لم تحِضْ] اه.