الطفلة الزيتية هي صخور رسوبية تعتبر صخور مصدر للبترول تحتوي علي قدر كبير من المواد العضوية، توجد علي صورة تعرف باسم الكيروجين. وهذا الأسم kerogen هو مشتق من النصف الأول من الكلمتين Kerosene generator وهذا يعني أن المواد الكيروجينية هي التي يتخلق منها الكيروسين. هذه المواد الكيروجينية تتواجد بتركيز عالي جدا في أحد التكاوين الجيولوجية والذي يعرف بأسم "مكون الداخلة" وذلك بسبب أنة يبلغ أقصي سمك له وهو 280 متر في الواحات الداخلة، ولكن درجة جودة متميزة ولسمك حوالي 160 متر تتواجد في مناطق القصير وسفاجا وكذلك بين إدفو وقنا في صعيد مصر. عندما تدفن هذه الرواسب علي أعماق مناسبة، تتراوح بين 2 و 4 كيلومتر، تؤدي الحرارة والضغط عند هذه الأعماق إلي نضج الكيروجين وتحويلة إلي مواد بترولية. هذا ما حدث في ليبيا والمملكة السعودية والإمارات وغيرعا، فنفس الصخور الكيروجينيىة أو ما يعرف بالطفلة الزيتية الموجودة في مصر، هي ذاتها التي أنتجت البترول في دول الجوار. السؤال، لماذا لم تنتج بترولاً عندنا؟ الإجابة هي: لم تدفن هذه الرواسب بالطريقة الملائمة. السؤال مرة أخري، ما منعها من أن تدفن بالطريقة المناسبة؟ الإجابة هي: تكتونية القارات وفتح البحر الأحمر، منذ 30 مليون سنة، وحتي الأن. وعلي الرغم من أن الطفلة الزيتية لم تبلغ مستوي النضج لتنتج نفطاً، إلا أن المحتوي الكيروجيني والذي يصل إلي ثلث وزن الصخر، هو طاقة قابلة للنضج الصناعي، كما أنها قابلة للإشتعال بذاتها وبدون محفز خارجي. يمكن إستغلال هذه الطفلة الزيتية في إنتاج الكهرباء عن طريق الحرق المباشر، وهو منهج متبع في العديد من الدول. وتنتج أحد دول أوروبا ، وهي أسيتونيا، حوالي 92% من الكهرباء التي تستهلكها، كما تكتفي ذاتيا للبترول، من الطفلة الزيتية المتوفرة لديها، ويتم إنتاج الكهرباء من الطفلة الزيتية بهده الدولة منذ عام 1924. كما تطورت أساليب إنتاج النفط صناعياً من الطفلة الزيتية، حيث تتنافس الشركات العالمية في تطوير تقنيات الإستخلاص لتصبح أرخص وأعلي كفاءة. تبلغ تكلفة إنتاج برميل البترول بين 30 و60 دولار أمريكي, وهي تكلفة، بغير شك، عالية جدا مقارنة بتكلفة إنتاج النفط التقليدي. ولكن بالنسبة للدول التي لاتملك مصادر نفطية، أو أن مصادر نفطها قد نضبت أو أوشكت، كما هو الحال في مصر، فإن إستخدام الطفلة الزيتية في إنتاج النفط من الممكن أن يسد الفجوة المتزايدة بين الإنتاج المحلي والإستهلاك. بإشراف وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، ودعم مالي من أحد شركات البترول العاملة في مصر تمت أعمال إستكشاف الطفلة الزيتية في مصر بمبلغ مليون دولار أمريكي. بداء العمل الإستكشافي في أكتوبر 2006 وإنتهى في إبريل 2010، حيث تم حفر العديد من الآبار في هضبة أبو طرطور و القصير و سفاجا. كما تم تحليل حوالي ألفين عينة من نواتج الحفر وتم عمل الدراسات اللازمة لتحديد أصل وإمتداد وجودة الطفلة الزيتية في مواقع الدراسة. أعطت الدراسات دلالات إيجابية في منطقتي القصير وسفاجا بالبحر الأحمر. وتم تقدير أحتياطي الطفلة الزيتية، علي درجة الجودة الإقتصادية، بما لايقل عن 9 بليون طن، كأحتياطي جيولوجي. ولكن الوضع التكتوني للمنطقة خاصة المرتبط بفتح البحر الأحمر في عصر الأوليجوسين، قد تسبب في ميول شديدة للطبقات بدرجات تتراوح بين 15 و 30 درجة في إتجاة الشمال شرق. كما تكثر الصدوع بالمنطقة. هذا الوضع التكتوني للطفلة الزيتية في منطقتي القصير و سفاجا، يجعل عمليات الإستغلال مكلفة في أغلب الحالات، وهو الأمر الذي لا تتحملة الطفلة الزيتية كمادة خام رخيصة، ويجب أن لاتزيد تكلفة إستخراج الطن عن 3 دولار شاملة النقل لموقع التشغيل. وعلي الرغم من وجود بعض المواقع الصالحة للإستغلال مباشرة وعلي المستوي الإقتصادي، إلا أن الشركات الأستثمارية ذات الصلة لم ترحب بالعمل في المنطقة خوفا من الوضع التكتوني، وأيضا لما تمر به البلاد من ظروف إستثنائية. ومن الواضح أننا كمصريين يجب أن نكون أكثر حرصا ونسعي لتعظيم الإستفادة مما هو متاح وقابل للتشغيل علي المستوي الإقتصادي. لعل أهم نتائج الدراسات الإستكشافية التي نفذتها والتي أستمرت حوالي أربعة سنوات بين 2006 و 2010، أنها أعطت تقيماً دقيقا لهذه الرواسب الإقتصادية من حيث السمك والأعماق والتغير السحني خاصة من الجنوب إلي الشمال وهو إتجاة زيادة عمق البحر الذي ترسبت فيه الطفلة الزيتية. ذلك أتاح قاعدة بيانات كبيرة وموثقة مكنت بعد ذلك من إجراء دراسة شاملة للمضاهاة بين ما تم الحصول علية من نتائج والدراسات العديدة السابقة والتي تمت في المناطق المناظرة في وادي النيل والوادي الجديد. أظهرت المضاهاة عن وجود توافق تام وكامل مع القطاعات الرسوبية المعروفة في المنطقة بين إدفو وقنا. وأن الطفلة الزيتية متواجدة وعلي نفس الوضع الجيولوجي، وإن لم يتم تحليل أي منها للتأكد من درجة الجودة أو محتوي الطاقة بها. غير أن الرواسب في منطقة وادي النيل تملك ميزتين من الممكن أن يدفعا بمصر إلي موقع أهم المنتجين للطاقة من الطفلة الزيتية. الميزتين هما: (1) المنطقة أكثر إستقرارا من الناحية التكتونية والتركيبية، فالطبقات تكاد تكون أفقية، (2) أن الإمتدادات الجغرافية كبيرة جدا، ولا يمكن مقارنتها بمحدودية الخامات في القصير أو سفاجا. ففي منطقة وادى النيل يمكن الحصول علي الطفلة الزيتيىة علي أعماق ضحلة وسمك كبير، وهو ما يشجع علي الإستثمار طويل الأمد فالأحتياطيات كبيرة جدا، وإن كان يصعب تحديدها بدقة بما هو متاح الأن من معلومات. * أستاذ الجيوكيمياء المتفرغ، قسم الجيولوجيا، كلية العلوم، جامعة القاهرة