الحياة فى قرية «صنصفط» - التابعة لمركز منوف بمحافظة المنوفية- أصبحت شبه متوقفة، مياه الشرب غير موجودة بعد إغلاق جميع المحابس خوفا من زيادة الإصابات بالتسمم، موائد الطعام غابت عن المنازل بسبب تعليمات الأطباء للمرضى بعدم تناول أى طعام خلال فترة العلاج، أصوات المآذن تعلو بالدعاء للأهالى بالشفاء، الطرق الداخلية للقرية أغلقت بسبب حركة السيارات التى تنقل المصابين والمرضى، المحلات التجارية أعلنت الحداد وأغلقت أبوابها بعد انتشار شائعة قيام مندوبى وزارة الصحة بأخذ عينات منها وتحليلها، الأماكن العامة تحولت إلى مستشفيات ميدانية يعمل بها أبناء القرية من طلاب كليات الطب وأصدقائهم وبعض المتطوعين، لتتحول القرية إلى مشهد فى فيلم سينمائى عن المناطق الآيلة للانهيار، حضره المتضررون، وكالعادة غاب عنه المسئولون. الوصول إلى القرية يقتضى المرور من على جسر أسمنتى متهالك يشق ترعة تفوح منها رائحة كريهة يتضرر منها المارة من على بعد مئات الأمتار، بجواره توجد المقابر التى خرجت من حيزها إلى الطريق فأصابته بشلل تام بسبب تضييق مساحته، ثم السير فى طريق يمتلئ عن آخره بالمطبات الطينية وبعض الكتل الخرسانية التى تشير إلى رصفه يوما ما، ثم السير أمتارا قليلة للوصول إلى محطة تنقية المياه -موضع اتهام الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى بالتسبب فى إصابة أبناء القرية بالتسمم- التى يملكها أحد رجال الأعمال الذى أنشأها من أجل رفع المعاناة عن أهالى القرية وحل أزمة مياه الشرب التى لم تصادف يوما حلا من قبل الأجهزة الحكومية، ولعل ذلك ما دفع الأهالى إلى محاصرة المحطة لحمايتها خوفا من بطش الأجهزة الأمنية بصاحبها الذى وصفوه بالرجل الخيّر. وعند متابعة السير لدقائق قليلة أخرى تبدأ مشاهد الخيال فى الظهور على أرض الواقع أمام الوحدة الصحية، فجميع أبناء القرية افترشوا الساحات الواسعة المحيطة بالوحدة الصحية ومركز الشباب -الذى تم تحويله لمستشفى مؤقت من قبل أطباء القرية- ينتظرون للاطمئنان على صحة ذويهم، الجميع انتابته حالات الهلع وينتظر ما ستسفر عنه الدقائق القادمة، بعد علو الأصوات التى تؤكد أن الحالة عبارة عن وباء سوف يقضى على غالبية أبناء القرية. الاتهامات متبادلة بين جميع الأطراف، أهالى المرضى يلقون بالمسئولية على المستشار أشرف هلال محافظ المنوفية الذى رفض التدخل لحمايتهم من عدم صلاحية مياه الشرب منذ أكثر من 3 سنوات على الرغم من علمه بذلك من خلال التقارير الرسمية والتحاليل التى كانت تجرى على مياه القرية، طبقا لما ذكره نبيل إسماعيل مدرس، ولعل ذلك كان الدافع وراء احتجازهم له ومعه وزير الصحة ووكيل وزارة الصحة بالمنوفية داخل مستشفى منوف العام بعد رفضهم الذهاب معهم إلى القرية ليشاهدوا بأنفسهم الحقيقة على أرض الواقع بدلا من مشاهدتها عبر وسائل الإعلام، وعندما رفضوا حاول بعض الأهالى إجبارهم على شرب كوب مياه من التى يعيش عليها أبناء القرية، ولكن المسئولين رفضوا مرة أخرى بحجة الصيام، بعدها هدد محافظ المنوفية بعدم حاجته إلى منصبه إذا تسبب فى إحراجه وظل كذلك حتى خرج ومعه ضيوفه من المستشفى. كما طالت الاتهامات طبيب الوحدة الصحية بتحويلها إلى عيادة خاصة وتحصيل مبلغ 20 جنيها قيمة توقيع الكشف الطبى للشخص الواحد من 200 مصاب، بحجة انتهاء فترة عمله الرسمية ولكنه اضطر للعدول عن ذلك بسبب تذمر الأهالى وزيادة أعداد المصابين. أما الجهات المسئولة والمتمثلة فى محافظ المنوفية وأعضاء المجلس المحلى ومسئولى عملية المياه فما زالوا يصرون على أن محطة تنقية المياه الأهلية هى السبب فى حدوث الأزمة، بالإضافة لعدم وجود أزمة من الأساس والسبب فيما يحدث هو حالة الهلع التى أصابت الأهالى. وخرج طرف ثالث يؤكد أن مياه الشرب ليست السبب الحقيقى للكارثة لوجود 4 خطوط لمياه الشرب فى القرية «بهواش، صنصفط الحكومى، الطلمبات الحبشية، محطة التحليلة»، بالإضافة لمحطة مياه حكومية جديدة جار إنشاؤها منذ عدة سنوات بتكلفة 23 مليون جنيه وتوقف العمل بعد أيام من بدئه لأسباب غير معلومة، والإصابة جمعت كل أبناء القرية بنفس المرض بما يعنى أن الأمر لا يقتصر على تلوث خط مياه بعينه، على حد وصفهم. لا يوجد منزل بالقرية لا يوجد به مريض على الأقل مصاب بالفشل الكلوى بسبب سوء حالة مياه الشرب التى تدخل منازلهم محملة بالديدان والطحالب مما جعل الأهالى يعرضون عن استعمالها، خاصة أن سقف صهاريج المياه مكشوف مما يجعله بيئة صالحة لسقوط الحيوانات والطيور، بالإضافة إلى عدم قيام المسئولين عنها بتنظيفها منذ عدة سنوات إلا بعد وقوع الكارثة بساعات قليلة، حيث فوجئ الأهالى بمجىء عدد من الموظفين قاموا بتنظيفها وتغيير الفلاتر الخاصة بها. أعداد المصابين من أبناء القرية تخطت كل الأرقام التى أعلنت عنها الأجهزة الرسمية والإعلام الحكومى حيث تجاوزت أعداد الذين خضعوا للكشف الطبى 3500 مريض من أبناء القرية -طبقا لما ذكره الدكتور رمضان غانم مسئول صيدلية الوحدة الصحية- جميعهم تشابهوا فى أعراض الإصابة، ولكن تشخيص الحالة المرضية لم يتحدد بعد. المشاكل والأزمات التى يعانى منها أبناء القرية البالغ عددهم 30 ألف نسمة عديدة ولا تقف حدودها عند مياه الشرب فقط، فعلى الرغم من قيام المسئولين باستقطاع 10 أفدنة من زمام القرية لإقامة مشروع الصرف الصحى عليها منذ 8 سنوات، فإن شيئا لم يحدث وما زال المشروع فى علم الغيب لم يظهر منه شىء بخلاف لافتة كبيرة موجودة وسط القطعة المخصصة لإنشائه. وتبقى مياه الرى ضيف الليل الحزين الذى لا يجىء إلى القرية إلا كل بضعة شهور، ولعل انقطاعها بشكل مستمر عن الترع والمصارف كان السبب فى تدمير مئات الأفدنة التى كانت تزرع بالخضر والفاكهة وتحويلها لزراعة المحاصيل الموسمية التى تتحمل غيابها. أما تلال القمامة فهى العلامة المميزة للقرية حيث تحاصرها من جميع جوانبها بجانب الرائحة الكريهة التى تنبعث من المياه غير النظيفة التى تلقيها نساء القرية وسط تلك التلال لعدم وجود منفذ آخر أمامهن، بالإضافة إلى كارثة المياه الجوفية التى توجد على بعد مترين فقط من سطح الأرض والتى تهدد كل من يقوم ببناء منزل حديث بعد توقف مشروع الصرف المغطى بالقرية بعد تغطيته لمساحة صغيرة من القرية من ناحية الطريق العمومى الواصل إلى مدينة منوف، بالإضافة لتصدع مئات المنازل التى تعوم على تلك المياه والمهددة بالسقوط على رؤوس من يعيشون بداخلها. أما الطرق الداخلية للقرية فغير محددة المعالم وأشبه بالمدقات التى يصعب السير عليها بالأقدام، حيث ترفض الجهة المسئولة عن رصف الطرق الدخول إليها بحجة ضيق مساحتها وعدم صلاحيتها لدخول آلات ومعدات الرصف، وتكتفى فقط برصف الطريق العمومى الذى يمر من أمام مدخل القرية، ولعل ذلك كان الدافع وراء قيام موظفى الوحدة المحلية بالقرية بتحسينها وتجهيزها حتى تتسع لاستقبال سيارات المحافظ وضيوفه، ولكن اعتراض أهالى القرية لهم بسبب رغبتهم فى أن يشاهد المسئولون حالة القرية على طبيعتها أجبرهم على الرحيل.