حماية الحريات الأكاديمية واحدة من الضمانات الرئيسة التى تمنع عودة الاستبداد؛ فهى تضمن تطور المعارف والعلوم وتوزيع عوائد هذا التطور على كل فئات المجتمع، كما أنها تسهم فى خلق رأى عام مستنير يقدر العلم والعلماء وغير قابل للخداع. والنص على هذه الحريات فى الدستور المنتظر مجرد خطوة أولى فى طريق طويل سنحتاج فيه إلى سَن تشريعات واستحداث هياكل وتبنّى سياسات وزرع ثقافة جديدة وتأهيل كوادر وتوفير خبرات، وغير ذلك. وعادة ما تشتمل الحريات الأكاديمية على ثلاثة أبعاد؛ يهتم الأول بحماية كل الحريات ذات الصلة بالعمل البحثى والأكاديمى كحريات الفكر والرأى والاجتماع والتنقل وإلقاء المحاضرات والمشاركة بالندوات العامة وحلقات النقاش والمشروعات البحثية والحصول على المعلومات واستخدامها ونشر وتوزيع الأعمال الفكرية والعلمية. أما البعد الثانى فيشمل حرية الجامعة فى إدارة شئونها المالية والإدارية بصورة مستقلة وفى تحديد مناهج ومضامين التعليم الملائمة وفى تعيين من يتمتعون بالكفاءة والمهارة اللازمة لتحقيق الأهداف. ويتضمن البعد الثالث مراعاة معايير النزاهة الأكاديمية والأمانة العلمية وأخلاقيات البحث وحماية الطلبة من التلقين الأيديولوجى والحزبى. حان وقت الاهتمام بالجامعات والمؤسسات البحثية وبالحريات الأكاديمية بأبعادها المختلفة، فلئن انتهت عمليات قمع واعتقال بعض الأكاديميين واستخدام البعض الآخر لتبرير سياسات معينة، فلا بد من بذل الجهد فى أمور كثيرة ذات صلة كالعمل على حماية الحريات الأكاديمية ضمن منظومة الحريات العامة ووضع جميع الآليات والضمانات اللازمة، وإسقاط كل القيود الحكومية والقانونية والإدارية التى تحد من استقلال الجامعات، وإلغاء أو تقليص دور المجلس الأعلى للجامعات إلى مجرد التنسيق، وتفعيل دور مجالس الأقسام العلمية والكليات، ومنع كل صور التمييز التى يتعرض لها الأكاديميون والطلاب. ويجب أن يُنهى الأكاديميون أنفسهم ما يعرف ب«الرقابة الذاتية»، أى الإثناء الذاتى لأساتذة الجامعة عن الخوض فى بعض الموضوعات أو الاهتمام بالشأن العام خوفاً من البطش وإيثارا للسلامة أو حفاظا على مكسب مادى أو منصب إدارى. أمامنا فرصة تاريخية ولا يجب أن نكبل أنفسنا مرة أخرى. أما معالجة إرث النظام السابق فى التعليم (كالانغلاق الفكرى والبحثى لبعض الأساتذة والباحثين باكتفائهم بما تعلموا فى مرحلة الماجستير أو الدكتوراة وعدم انفتاحهم على مدارس فكرية جديدة واكتساب معارف جديدة، والتساهل فى التدريس والإشراف العلمى والترقيات، واختراق أبجديات النزاهة العلمية والأمانة الأكاديمية)، فتحتاج جميعها لنظام تعليمى جديد تماما، واستراتيجية وطنية للبحث العلمى والتكنولوجيا، ورفع ميزانيات التعليم والبحث، وآليات فعالة للترقيات والتعيينات والنشر والإشراف والتدريس، وقواعد محددة وفعالة للمحاسبة وللثواب والعقاب، وتفعيل الهيئات النقابية والمهنية لأعضاء هيئات التدريس لتُستخدم كمراصد لمتابعة أى انتهاكات للحريات الأكاديمية وكأدوات للضغط والتأثير على الإدارات الجامعية والحكومة. بجانب خطة لزرع ثقافة الاهتمام بالعلم والعلماء فى كل وسائل الإعلام من الصحافة والتليفزيون إلى الدراما والفن. وهناك ضرورة ملحة ذات صلة، تحتمها أوضاع مصر ما بعد الثورة وحاجات المجتمع بعد سنوات من التجهيل وتسطيح العقول، وهى ربط نتائج البحث العلمى فى جميع التخصصات بأولويات المجتمع المصرى ضمن استراتيجية وطنية تُسخَّر فيها كل الإمكانات والخبرات الوطنية والمغتربة وتصب فى صالح مشروع التقدم والنهضة ودور مصر الخارجى. آمل أن يولى الرئيس مرسى الحريات الأكاديمية أهمية قصوى، وآمل أن يقوم بتكليف فريق من الخبراء والعلماء والباحثين بالإعداد لمؤتمر وطنى لوضع استراتيجية وطنية للتعليم والبحث والتكنولوجيا، استراتيجية تستهدف إحداث نهضة علمية مصرية كبرى وربط هذه النهضة ونتائجها بأولويات مصر فى هذه المرحلة التاريخية. وآمل أن تقوم الجامعات ومراكز البحوث ونوادى أعضاء التدريس بعقد جميع الفعاليات التى تسهم فى تحقيق هذا الهدف.