ذات ليلة خرج عمر مع خادمه أسلم ليتفقد أحوال المسلمين في جوف الليل، وفى أحد الطرق استراح من التجوال بجانب جدار ، فإذا به يسمع امرأة تقول: قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه (اخلطيه) بالماء . فقالت الابنة: يا أُمَّتَاه، وما علمتِ ما كان من عَزْمَة ( أمر ) أمير المؤمنين اليوم؟! قالت الأم: وما كان من عزمته ( أمره )؟ قالت: إنه أمر مناديًا فنادي: لا يُشَابُ (أي لا يُخلط ) اللبن بالماء. فقالت الأم: يا بنتاه، قومي إلى اللبن فامْذقيه بالماء فإنك في موضع لا يراك عمر، ولا منادى عمر. فقالت الصبيّة: واللَّه ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، إن كان عمر لا يرانا، فرب أمير المؤمنين يرانا. فلما سمع عمر بن الخطاب ذلك، أعجب بالفتاة لورعها ومراقبتها لله رب العالمين. وقال: يا أسلم، علِّم الباب ( أي ضع عليه علامة ) ، واعرف الموضع. ثم مضي. فلما أصبح قال: يا أسلم، امضِ إلى الموضع فانظر من القائلة ؟ ومن المقول لها ؟ وهل لهما من بعل (زوج). فذهب أسلم إلى المكان، فوجد امرأة عجوزًا، وابنتها أم عمارة، وعلم أنْ ليس لهما رجل، ثم عاد فأخبر عمر. فدعا عمر أولاده، فقال: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوّجه، ولو كان بأبيكم حَركة إلى النساء ما سبقه منكم أحد إلى هذه الجارية. فقال عبد اللَّه بن عمر: لي زوجة. وقال أخوه عبد الرحمن: لي زوجة. وقال ثالثهما عاصم: يا أبتاه لا زوجة لي فزوِّجني. فبعث إلى الجارية فزوّجها من عاصم، فولدت لعاصم بنتًا، ولدت هذه البنت ابنة صارت أمَّا لعمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس ، رضى اللَّه عنه . إنها أم عمارة بنت سفيان بن عبد اللَّه بن ربيعة الثقفي التي خَلَّدت اسمَها في التاريخ، بأمانتها وخوفها من اللَّه تعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، والذى أكرمها في الدنيا بزواجها من ابن أمير المؤمنين عمر، وجعل من نسلها أميرًا للمؤمنين هو عمر بن عبد العزيز. وبدأ عمر يقضي بين الناس، وفي إحدى المرات قضى على شابين بتطبيق حد السرقة، لسرفة ناقة، فلما سألهما لماذا قمتما بسرقتها من سيدهما، أخبراه كي يأكلا، فوبخ عمر حاطب "سيدهما"، ولم يطبق الحد وقال: لَئِنْ أُعَطِّلُ الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُقِيمَهَا فِي الشُّبُهَاتِ " . وذات يوم وعمر يسير بالشارع، استوقف عمر رجلا وقال له:" إن ابنته ارتكبت معصية "زنا" وتابت الى ربها, وتقدم لها خاطب، فأشار إليه عمر أن يزوجها، فقال له الرجل وأخبر الخاطب ما كان منها ؟؟ فرد عليه عمر "أتفضح امرا ستره الله". فطلب منه ان يزوجها زواج العفيفة الطاهرة. واستشار عمر، علي أن يعمل معه في الفصل بين الناس، فوافق علي، وقال:"لا أبقاني الله بأرض ليس فيها ابو الحسن". وانتصر المسلمون في دمشق وفتحوها، وبدأ التجهيز لموقعة القادسية, وولى عمر على الجيش سعد بن أبي وقاص.