كما خرج العباس وابن عباس ينصحان علياً، جاء الحسن بن على رضى الله عنهما ناصحاً لأبيه بنصيحة تتقاطع مع ما كان ينصحه به عمه العباس بعدم الدخول فى الأمر حتى يُدعى إليه، لكنّ علياً كان كعهده لا ينقاد لرأى أحد، يحكمه نقاؤه كحالم بالإصلاح، لا يقبل أن يلوث يديه بألعاب السياسة، بل ينبرى مباشرة للدفاع عن الحق ودفع الباطل ما استبانت له الأمور، لقد كان على رضى الله عنه فارساً أكثر منه سياسياً. تواصلت الأحداث وكان يوم «الجمل»، وثار كل فريق إلى سلاحه ولبسوا اللأمة وركبوا الخيول، وقامت الحرب، وتبارز الفرسان، وجالت الشجعان، وقد اجتمع مع على عشرون ألفا، والتف على عائشة ومن معها نحو من ثلاثين ألفا. وقد قُتل يوم الجمل خلق كثير، ويقال إنه قُطعت أيدى سبعين رجلا وهى آخذة بخطام الجمل، وأقام على بظاهر البصرة ثلاثا ثم صلى على القتلى من الفريقين، وخص قريشا بصلاة من بينهم، ثم جمع ما وجد لأصحاب عائشة فى المعسكر، وأمر به أن يُحمل إلى مسجد البصرة، فمن عرف شيئا هو لأهلهم فليأخذه، وكان مجموع من قُتل يوم الجمل من الفريقين عشرة آلاف. وقد سألتْ عائشة عمن قُتل معها من المسلمين، ومن قُتل من معسكر على، فجعلت كلما ذُكر لها واحد منهم ترحمت عليه ودعت له، ولما أرادت أم المؤمنين الخروج من البصرة، بعث إليها على رضى الله عنه بكل ما ينبغى من مركب وزاد ومتاع وغير ذلك، وأذن لمن نجا ممن جاء فى الجيش معها أن يرجع، إلا أن يحب المقام، واختار لها أربعين امرأه من نساء أهل البصرة المعروفات، وسيّر معها أخاها محمد بن أبى بكر، فلما كان اليوم الذى ارتحلت فيه جاء على فوقف بالباب وحضر الناس وخرجت من الدار فى الهودج فودعت الناس ودعت لهم. وما إن انتهى على رضى الله عنه من حزب «مكة»، حتى وجد نفسه فى مواجهة حزب «الشام»، بزعامة معاوية بن أبى سفيان، فأراد أن يبعث إلى معاوية رضى الله عنه يدعوه إلى بيعته، فقال جرير بن عبدالله: أنا أذهب إليه يا أمير المؤمنين، فإن بينى وبينه وداً، فآخذ لك منه البيعة، فقال الأشتر (أحد زعماء الثوار): لا تبعثه يا أمير المؤمنين، فإنى أخشى أن يكون هواه معه، فقال على: دعه! وبعثه وكتب معه كتابا إلى معاوية، يعلمه باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته، ويخبره بما كان فى وقعة الجمل، ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه الناس، فلما انتهى إليه جرير بن عبدالله أعطاه الكتاب، فطلب معاوية عمرو بن العاص ورؤوس أهل الشام فاستشارهم، فأبوا أن يبايعوا حتى يقتل قتلة عثمان، أو أن يسلم إليهم قتلة عثمان، وإن لم يفعل قاتلوه ولم يبايعوه، وقد انضم جرير بعد ذلك إلى معاوية. وخرج أمير المؤمنين على بن أبى طالب من الكوفة عازما على الدخول إلى الشام فعسكر بالنخيلة. وبلغ معاوية أن علياً قد خرج بنفسه، فسعى إلى «مشيره» عمرو بن العاص وسأله فى الأمر، فقال له: اخرج أنت أيضا بنفسك، ولم يبق مع على إلا شرذمة قليلة من الناس، وعُقدت الألوية والرايات للأمراء، وتهيأ أهل الشام، وخرجوا نحو الفرات من ناحية صفّين، حيث يكون مقدم على بن أبى طالب رضى الله عنه، وسار على رضى الله عنه بمن معه من الجنود من النخيلة قاصداً أرض الشام. وسبق معاوية بجيشه، فنزلوا على الماء فى أسهل موضع وأفسحه، فلما نزل على وجنوده كان موقعهم بعيدا عن الماء، وسرعان ما جاء أهل العراق ليأخذوا حاجتهم من الماء فمنعهم أهل الشام فوقعت بينهم مقاتلة بسبب ذلك، ثم ما زال أهل العراق يكشفون الشاميين عن الماء حتى أزاحوهم وخلوا بينهم وبينه ثم اصطلحوا على الورود معاً. وقد ظل القوم يتقاتلون فيما بينهم عدة أسابيع دون أن يظهر طرف على طرف بشكل حاسم، ويذكر ابن كثير: أن «عليا» حمل على عمرو بن العاص يوما، فضربه بالرمح فألقاه إلى الأرض فبدت سوءته فرجع عنه، فقال له أصحابه: مالك يا أمير المؤمنين رجعت عنه، فقال: أتدرون ما هو؟ قالوا: لا! قال: هذا عمرو بن العاص تلقانى بسوءته فرجعت عنه، فلما رجع عمرو إلى معاوية، قال له: أحمد الله وأحمد استك. وشهدت معركة صفّين استشهاد عمار بن ياسر الذى كان يقاتل فى صفوف على بن أبى طالب، وقال النبى صلى الله عليه وسلم فى حقه «عمار تقتله الفئة الباغية».