قالت ريبيكا إنسيان كور ديينغ في مدينة "بور" مباشرة بعد أن استعادها جيش جنوب السودان، إن "المتمردين لم يسيئوا معاملتنا لكنهم أجبرونا على حمل البضائع التي كانوا يسرقونها من السوق وعلى اعداد الطعام لهم". وقد سقطت "بور"، كبرى مدن ولاية "جونقلي" الاستراتيجية والمضطربة في 19 ديسمبر، في أيدي المتمردين الذين يقودهم نائب الرئيس سابقا رياك مشار، وتبعد المدينة 200 كلم فقط على "جوبا" عاصمة جنوب السودان، وأصبحت من جديد تحت سيطرة جيش جنوب السودان منذ عشية عيد الميلاد. وأجبر المتمردون النساء فيها طيلة أسبوع على حمل كل البضائع التي نهبوها. وكانت ريبيكا (40 سنة)، القادمة من قرية مجاورة وهي أم خمسة أبناء، جاءت ترافق إحدى قريباتها المريضة إلى المستشفى في 15 ديسمبر. وقالت بنظرة امتزج فيها القلق بالانفعال: "كنت هنا كامل الأسبوع الذي سيطر خلاله المتمردون على المدينة". وتابعت: "طردوهم الآن لكنني لم أتلق أخبارا عن أبنائي وأشقائي وشقيقاتي، وكل عائلتي"، وأضافت: "وصلت إلى هنا قبل يوم فقط من هجوم المتمردين على المدينة ومن حينها لم أعد إلى بيتي". وبدأ المئات من سكان "بور" يعودون إلى ديارهم على دراجات أو دراجات نارية أو على رؤوسهم، حاملين فراشهم وأواني المطبخ والكراسي. ودولة جنوب السودان الفتية التي استقلت في يوليو 2011 شهدت منذ استقلالها موجات عنف قبلية، وهي منذ عشرة أيام أعمال على شفير حرب أهلية. واندلعت أعمال العنف بسبب عداوة بين الرئيس سلفا كير ونائبه السابق المقال في يوليو رياك مشار. واتهم الأول الثاني بأنه حاول القيام بانقلاب، بينما نفى الثاني ذلك، مؤكدا أن الرئيس يريد القضاء على كل أعدائه، وفضلا عن "بور" سيطرت قوات "مشار" على مدينة استراتيجية أخرى، وهي "بنتيو" كبرى مدن ولاية الوحدة النفطية وما زالت تقاتل القوات الحكومية من أجل السيطرة على مدينة "ملكال" كبرى مدن ولاية "النيل العالي". ويكتسي النزاع بعدا سياسيا وكذلك "أتنيا"، إذ أن قبيلة "الدينكا"، التي ينتمي إليها سلفا كير تواجه قبيلة النوير التي يتحدر منها رياك مشار، وأفادت عدة شهادات خلال الأيام الأخيرة عن أعمال عنف واغتيالات وعمليات اغتصاب ومجازر ذات طابع قبلي. وتابعت "ريبيكا"، وهي من الدينكا: "عندما وصل المتمردون كانوا يسألون الناس إن كانوا من الدينكا أو النوير، وإذا كنت من الدينكا، وخصوصا إذا كنت رجلا فإنهم يقتلوك"، وأضافت: "لكنهم لم يجدوا العديد من الرجال في المدينة لأن معظمهم قد فروا". وقالت: "هذه أول مرة في حياتي أعيش فيها شيئا كهذا"، وقد ولدت المرأة في الخرطوم سنة 1973 عندما كان جنوب السودان جزءا من السودان وجاءت إلى الجنوب في 2007، بعدما انتهت الحرب الأهلية الطويلة بين الخرطوموجوبا، وقد أفسح انتهاء النزاع المجال أمام استقلال جنوب السودان في 2011. وروت "ريبيكا"، أنه عندما كان المتمردون يحتلون بور "لم يكن لدينا من طعام سوى ما أحضرناه معنا إلى المستشفى". كذلك اشتكى فيليب دينغ، الجندي الحكومي الذي شارك في استعادة المدينة، من أنه على غرار رفقائه، لم يأكلوا شيئا منذ أن أرسلوا إلى جوبا. وقال: "إنني بدون طعام منذ أربعة أيام"، وبدا منهكا وقد تعفر زيه وحذائه، وهو يجوب أكبر أسواق بور الذي أحرقه المتمردون على أمل العثور على أي طعام لم يتلف بعد وسط الحرارة الشديدة. لكن لا تنبعث من السوق سوى رائحة الجثث الكريهة المتحللة، بينما لا زال الدخان يرتفع من ممراته المحترقة. وقال شان أوغاتو، الناطق باسم ولاية "جونقلي"، إن "الوضع ليس طيبا" و"بإمكان الناس الخروج من مجمع الأممالمتحدة، حيث كانوا يختبئون لكن دمرت كل الممتلكات والخدمات لا بد أن يساعدنا المجتمع الدولي".