أمام قسم قسطرة القلب 2، بمستشفى مدينة نصر للتأمين الصحى، تقف سيدة ستينية تستند إلى أحد مقاعد الاستراحة، وأخرى لم يسعفها الوقت لارتداء ملابس الخروج، فجاءت بجلباب البيت، حاولت أن تدارى ملامحه بخمار طويل، وشابة لم تتوقف عن البكاء لحظة، اتكأت على والديها وهى تدعو الله أن يخرج لها خطيبها سالماً، ومجموعة من شباب لا تتجاوز أعمارهم الثانية والعشرين تظهر على ملامحهم كل معالم القلق، يلتقطون كل عابر سبيل من الأطباء لسؤاله عن حال صديقهم، وبين البكاء والدعاء والاشتباك مع الأطباء رغبة فى الدخول عنوة إلى «القسطرة»، رقد مصابو تفجير أوتوبيس النقل العام بمحيط جامعة الأزهر. حاولت أم محمد أن تخفى ملامحها عن أعين الكاميرات، وهى تواصل البكاء على شقيقها محمد يحيى، الشاب العشرينى الذى ساقه القدر لأن يكون أحد ركاب الأوتوبيس، وهو فى طريقه إلى عمله بإحدى الشركات الخاصة، تلملم السيدة الأربعينية جلبابها وهى تقول: «ملحقتش ألبس هدوم الخروج، عرفت بالخبر من أخى بالصعيد بعد أن اتصلوا به من المستشفى، وقالوا له أخوك اتصاب فى انفجار الأوتوبيس، اتصل بيا على طول معرفتش أعمل إيه لبست خمار الصلاة على الجلابية وجيت أطمن على أخويا، حسبى الله ونعم الوكيل فى كل واحد عايز يخرب البلد هنقول إيه بس الواحد بقى يخاف يمشى فى الشارع طب هنعمل إيه»، يمر أحد الأطباء وهو يخبر أحد المسئولين عبر هاتفه بأسماء المصابين، وأثناء حديثه يذكر اسم جمال صالح عيد، متحدثاً عن أنه أكثر المصابين خطورة لوصول آثار الانفجار إلى رأسه، تنتفض سيدة عشرينية، تنهار من البكاء، وتسارع للحديث إلى الطبيب فيطمئنها، وتعود إلى مقعدها فى انتظار انتهاء النيابة من التحقيقات، للسماح لها برؤية زوجها المصاب، وتقول فاطمة «جوزى أرزقى على باب الله بيشتغل بياع شاى على فرشة فى مدينة نصر، كان رايح الشغل زى كل يوم وبعد ما مشى بساعة جالى تليفون من رقمه، لقيت واحدة بتكلمنى، بتقولى أنا ممرضة بمستشفى مدينة نصر وجوزك تعبان شوية وموجود عندنا، صرخت وقلتلها لا أكيد جوزى جراله حاجة وإنتو مخبيين عليا، قالت لى يا ست إهدى هخليكى تسمعى صوته عشان تطمنى، قال لى كلمتين «اهدى يا فاطمة أنا كويس بس راسى محروقة وتعبانى وبيقولوا احتمال أعمل عملية ورجلى اتكسرت»، جريت على المستشفى أطمن عليه وعرفت بموضوع الانفجار من الجيران وأنا جاية، ومر الوقت ونسيت أن بنتى بتمتحن فى الابتدائى ولازم أروح أجيبها من المدرسة، فاتصلت بجارتى أم شهد تاخدها وتروحها معاها عشان مش هقدر أسيبه، وإحنا مالناش حد هنا كل أهالينا فى البلد».